ـ حكي ـ أن أبا منصور بن ذكير كان رجلاً زاهداً صالحاً فلما دنت وفاته أكثر البكاء فقيل له : لِمَ تبكي عند الموت؟ قال : أسلك طريقاً لم أسلكه قط فلما توفي رآه ابنه في المنام في الليلة الرابعة فقال : يا أبت ما فعل الله بك؟ فقال : يا بني أن الأمر أصعب مما تعد أي تظن لقيت ملكاً عادلاً أعدل العادلين ورأيت خصماء مناقشين فقال لي ربي : يا أبا منصور قد عمرتك سبعين سنة فما معك اليوم؟ فقلت : يا ربي حججت ثلاثين حجة فقال الله تعالى : لم أقبل منك فقلت : يا رب تصدقت بأربعين ألف درهم بيدي فقال : لم أقبل منك فقلت : ستون سنة صمت نهارها وقمت ليلها فقال : لم أقبل منك فقلت : إلهي غزوت أربعين غزوة فقال : لم أقبل منك فقلت : إذا قد هلكت فقال الله تعالى ليس من كرمي أن أعذب مثل هذا يا أبا منصور أما تذكر اليوم الفلاني نحيت الذرة عن الطريق كيلا يعثر بها مسلم فإني قد رحمتك بذلك فإني لا أضيع أجر المحسنين فظهر من هذه الحكاية أن دفع الأذى عن الطريق إذا كان سبباً للرحمة والمغفرة فلأن يكون دفع الأذى عن الناس نافعاً للدافع يوم الحشر خصوصاً عدم الأذية للمؤمنين وخصوصاً للأهل والعيال والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده اللهم اجعلنا من النافعين لا من الضارين آمين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٥
﴿وَلِلَّهِ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ﴾ أي : من الموجودات كائناً ما كان من الخلائق أرزاقهم وغير ذلك.
قال الشيخ نجم الدين قدس سره :﴿مَا فِي السَّمَـاوَاتِ﴾ من الدرجات العلى وجنات المأوى والفردوس الأعلى ﴿مَا عَلَى الأرْضِ﴾ من نعيم الدنيا وزينتها وزخارفها والله مستغن عنها وإنما خلقها لعباده الصالحين كما قال تعالى :﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ﴾ (الجاثية : ١٣) وخلق العباد لنفسه كما قال :﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى﴾ (طه : ٤١) ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ أي بالله قد أمرناهم في كتابهم وهم اليهود والنصارى ومن قبلهم من الأمم.
واللام في الكتاب للجنس يتناول الكتب السماوية ومن متعلقة بوصينا أو بأوتوا ﴿وَإِيَّاكُمْ﴾ عطف على الذين أي وصيناكم يا أمة محمد في كتابكم ﴿أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي : بأن اتقوا الله فإن مصدرية حذف منها حرف الجر أي أمرناهم وإياكم بالتقوى قلنا لهم ولكم ﴿وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ﴾ أي : فإن الله مالك الملك كله لا يتضرر بكفركم ومعاصيكم كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم وإنما وصاكم لرحمته لا لحاجته ثم قرر ذلك بقوله :﴿وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا﴾ أي : عن الحق وعبادتهم لا تعلق له بغيره تعالى لا في ذاته ولا في صفاته بل هو منزه عن العلاقة مع الأغيار
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٨
﴿حَمِيدًا﴾ محموداً في ذاته حمدوه أو لم يحمده.
قال الغزالي في "شرح الأسماء الحسنى" : والله تعالى هو الحميد لحمده لنفسه أزلاً ولحمد عباده له أبداً ويرجع هذا إلى صفات الجلال والعلو والكمال منسوباً إلى ذكر الذاكرين له فإن الحمد هو ذكر أوصاف الكمال من حيث هو كمال والحميد من العباد من حمدت عقائده وأخلاقه وأعماله كلها من غير مثنوية وذلك هو محمد صلى الله عليه وسلّم ومن يقرب منه من الأنبياء ومن عداهم من
٢٩٨