والإشارة في الآية ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ التي جرت بيننا يوم الميثاق وعلى عهود العشاق وعقودهم على بذل وجودهم لنيل مقصودهم عاقدوا على عهد يحبهم ويحبونه ولا يحبون دونه فالوفاء بالعهد الصبر على الجفاء والجهد فمن صبر على عهوده فقد فاز بمقصوده عند بذل وجوده ﴿أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الانْعَـامِ﴾ أي : ذبح بهيمة النفس التي هي كالأنعام في طلب المرام ﴿إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّى الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ﴾ يعني : إلا النفس المطمئنة إذا تليت عليها ارجعي إلى ربك فإنها تنفرت من الدنيا وما فيها فإنها كالصيد في الحرم وأنتم حرم بالوجه إلى كعبة الوصال بإحرام الشوق إلى حضرة الجمال والجلال متجردين عن كل مرغوب ومرهوب منفردين من كل مطلوب ومحبوب ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ﴾ بذبح النفس إذا كانت موصوفة بصفة البهيمة ترفع في مراتع الحيوان السفلية ويحكم بترك ذبحها ويخاطبها بالرجوع إلى حضرة الربوبية عند اطمئنانها
٣٣٧
مع ذكر الحق واتصافها بالصفات الملكية العلوية ﴿مَا يُرِيدُ﴾ ما يريد كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٦
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَآئِرَ اللَّهِ} نزلت في الخطيم واسمه شريح بن ضبيعة البكري أتى المدينة من اليمامة وخلف خيله خارج المدينة ودخل وحده على النبي صلى الله عليه وسلّم فقال له : إلى ما تدعو الناس؟ فقال :"إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" فقال حسن إلا أن لي أمراء لا أقطع أمراً دونهم لعلى اسلم وآتي بهم وقد كان النبي عليه السلام قال لأصحابه :"يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان" ثم خرج شريح من عنده فقال عليه السلام :"لقد دخل بوجه كافر وخرج بقفا غادر وما الرجل بمسلم" فمر بسرح المدينة فاستاقه فانطلق فتبعوه فلم يدركوه فلما كان العام المقبل خرج حاجاً في حجاج بكر بن وائل من اليمامة ومعه تجارة عظيمة وقد قلدوا الهدي فقال المسلمون للنبي عليه السلام : هذا الخطيم قد خرج حاجاً فخل بيننا وبينه فقال النبي عليه السلام :"إنه قد قلد الهدي" فقالوا : يا رسول الله هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية فأبى النبي عليه السلام فأنزل الله هذه الآية وكان المشركون يحجون ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك.
والشعائر : جمع شعيرة وهي اسم لما أشعر أي جعل شعائر أي علماً للنسك من مواقف الحج ومرامي الجمار والمطاف والمسعى والأفعال التي هي علامات الحاج يعرف بها من الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر والمعنى لا تتهاونوا بحرمتها ولا تقطعوا أعمال من يحج بيت الله ويعظم مواقف الحج ﴿وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ أي ولا تستحلوا القتل والغارة في الشهر الحرام وهو شهر الحج والأشهر الأربعة الحرم وهي : ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، والافراد لإرادة الجنس ﴿وَلا الْهَدْىَ﴾ بأن يتعرض له بالغصب أو بالمنع من بلوغ محله وهو ما أهدي إلى الكعبة من إبل أو بقر أو شاة تقرباً إلى الله تعالى جمع هدية ﴿وَلا الْقَلَائدَ﴾ أي : ذوات القلائد من الهدي بتقدير المضاف وعطفها على الهدى للاختصاص فإنها أشرف الهدي أي ولا تحلوا ذوات القلائد منها خصوصاً وهي جمع قلادة وهي ما يشد على عنق البعير وغيره من نعل أو لحاء شجرة أو غيرهما ليعلم به أنه هدى فلا يتعرض له ﴿وَلا ءَآمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ أي : ولا تحلوا قوماً قاصدين زيارة الكعبة بأي تصدوهم عن ذلك بأن وجه كان
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٦
﴿يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ حال من المستكن في آمين أي قاصدين زيارته حال كونهم طالبين الرزق بالتجارة والرضوان أي على زعمهم لأن الكافر لا نصيب له في الرضوان أي رضي الله تعالى ما لم يسلم.
قال في "الإرشاد" : إنهم كانوا يزعمون أنهم على سداد من دينهم وأن الحج يقربهم إلى الله تعالى فوصفهم الله بظنهم وذلك الظن الفاسد وإن كان بمعزل من استتباع رضوانه تعالى لكن لا بعد في كونه مداراً لحصول بعض مقاصدهم الدنيوية وخلاصهم من المكاره العاجلة لا سيما في ضمن مراعاة حقوق الله تعالى وتعظيم شعائره انتهى.
وهذه الآية إلى ههنا منسوخة بقوله تعالى :﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ (التوبة : ٥) وبقوله :﴿فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـاذَا﴾ (التوبة : ٢٨) فلا يجوز أن يحج مشرك ولا يأمن كافر بالهدي والقلائد.
قال الشعبي : لم ينسخ من سورة المائدة إلا هذه الآية ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ تصريح بما أشير إليه
٣٣٨


الصفحة التالية
Icon