قال قتادة كانوا يضربونها بالعصي فإذا ماتت أكلوها وهي في معنى المنخنقة أيضاً لأنها ماتت ولم يسل دمها ﴿وَالْمُتَرَدِّيَةُ﴾ التي تردت من مكان عال أو في بئر فماتت قبل الذكاة.
والتردي هو السقوط مأخوذ من الردى وهو الهلاك قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لعدي بن حاتم :"إذا تردت رميتك من جبل فوقعت في ماء فلا تأكل فإنك لا تدري أسهمك قتلها أم الماء؟" فصار هذا الكلام أصلاً في كل موضع اجتمع فيه معنيان أحدهما حاظر والآخر مبيح أنه يغلب جهة الحظر ولهذا قال صلى الله عليه وسلّم "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك ألا وإن لكل ملك حمى وإن حمي الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه" وعن عمر رضي الله عنه أنه قال : كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الربا ﴿وَالنَّطِيحَةُ﴾ التي نطحتها أخرى فماتت بالنطح وهو بالفارسية "سروزدن" والتاء في هذه الكلمات الأربع لنقلها من الوصفية إلى الاسمية وكل ما لحقته هذه التاء يستوي فيه المذكر والمؤنث وقيل : التاء فيها لكونها صفات لموصوف مؤنث وهو الشاة كأنه قيل حرمت عليكم الشاة المنخنقة والموقوذة وخصت الشاة بالذكر لكونها أعم ما يأكله الناس والكلام يخرج على الأعم الأغلب ويكون المراد الكل ﴿وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ﴾ أي : وما أكل منه السبع فمات وكان أهل الجاهلية يأكلونه.
والسبع اسم يقع على ما له ناب ويعدو على الإنسان والدواب ويفترسها كالأسد وما دونه وهو يدل على أن جوارح الصيد إذا أكلت مما اصطادته لم يحل ﴿إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ أي : إلا ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء وفيه بقية حياة يضطرب اضطراب المذبوح فإنه يحل لكم فأما ما صار بجرح السبع إلى حالة المذبوح فهو في حكم الميتة فلا يكون حلالاً وإن ذبحته وكذلك المتردية والنطيحة إذا أدركتها حية قبل أن تصير إلى حالة المذبوح فذبحتها تكون حلالاً ولو رمى إلى صيد في الهواء وأصابه فسقط على الأرض ومات كان حلالاً لأن الوقوع على الأرض من ضرورته وإن سقط على جبل أو شجر ثم تردى منه فمات فلا يحل وهو من المتردية إلا أن يكون السهم أصاب مذبحه في الهواء فيحل كيف ما وقع لأن الذبح قد حصل بإصابة السهم المذبح وأما ما أبين من الصيد قبل الذكاة فهو ميتة.
والذكاة في الشرع بقطع الحلقوم والمري وهو اسم لما اتصل بالحلقوم وهو الذي يجري فيه الطعام والشراب وأقل الذكاة في الحيوان المقدور عليه قطع الحلقوم والمري وكماله أن يقطع الودجان معهما ويجوز بكل محدد من حديد أو قصب أو زجاج أو حجر أو نحوها فإن جمهور العلماء على أن كل ما أفري الأوداج وأنهر الدم فهو من آلات الذكاة ما خلا السن والظفر والعظم ما لم يكن السن والظفر منزوعين لأن الذبح بهما يكون خنقاً وأما المنزوعان منهما إذا أفريا الأوداج فالذكاة جائزة بهما عندهم والذكاة الذبح التام الذي يجوز معه الأكل ولا يحرم لأن أصل الذكاة إتمام الشيء ومنه الذكاء في الفهم إذا كان
٣٤١
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٠


الصفحة التالية
Icon