والإشارة في الآية ﴿أُحِلَّ لَكُمُ﴾ يا أرباب الحقيقة في اليوم الذي قدر كمالية الدين فيه لكم في الأزل جميع ﴿الطَّيِّبَـاتُ﴾ التي تتعلق بسعادة الدارين بل أحل لكم التخلق بالأخلاق الطيبات وهي أخلاق الله المنزهات عن الكميات والكيفيات المبرءات من النقائص والشبهات ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ﴾ وفي الحقيقة هم الأنبياء عليهم السلام ﴿لَكُمُ الطَّيِّبَـاتُ﴾ أي : غذيتم بلبان الولاية كما غذوا بلبان النبوة من حلمتي الشريعة والحقيقة.
﴿وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ﴾ يعني : منبع لبن النبوة والولاية واحد وإن كان الثدي اثنين فشربتم لبان ألطافنا من مشرب الولاية وشرب الأنبياء لبان أفضالنا من مشرب النبوة قد علم كل أناس مشربهم وللنبي عليه السلام شركة في المشارب كلها وله اختصاص في مجلس المقام المحمود من المحبوب بمشرب "أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" لا يشاركه فيه ملك مقرب ولا نبيء مرسل كذلك حل لكم ﴿مِنَ الْمُؤْمِنَـاتِ وَالْمُحْصَنَـاتُ﴾ وهي أبكار حقائق القرآن التي أحصنت من أفهام الأزواج المؤمنات
٣٤٩
بها وهي أزواج العلماء وخواص هذه الأمة ﴿وَالْمُحْصَنَـاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ وهي أبكار حقائق الكتب المنزلة على الأمة السالفة التي أحصنت من الذين أنزل عليهم الكتب وأدرجت في القرآن وأخفيت لكم كما قال تعالى :﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم﴾ (السجدة : ١٧) يعني في القرآن ﴿مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ (السجدة : ١٧) وهي أبكار حقائق جميع الكتب المنزلة فافهم جداً كلها لكم ﴿إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أي : مهور هذه الأبكار وهي بذل الوجود ﴿مُحْصِنِينَ﴾ يعني : متعففين في بذل الوجود فيكون على وجه الحق وبتصرف المشايخ الواصلين ﴿غَيْرَ مُسَـافِحِينَ﴾ على وفق الطبع وخلاف الشرع وبتصرف الهوى ﴿وَلا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ﴾ يعني : في بذل الوجود لا يكون ملتفتاً إلى شيء من الكونين ولا إلى أحد في الدارين سوى الله ليكون هو المشرب ومنه الشراب وهو الحريف والساقي ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالايمَـانِ﴾ بهذه المعاملات والكمالات إذ حرم من العيان من هذه السعادات.
﴿فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ الذي عمله على العمياء والتقليد.
﴿وَهُوَ فِى الاخِرَةِ مِنَ الْخَـاسِرِينَ﴾ الذين خسروا الدنيا والعقبى والمولى كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٥
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَواةِ} المراد بالقيام إما القيام الذي هو من أركان الصلاة فالتقدير إذا أردتم القيام لها بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب لأن الجزاء لا بد وأن يتأخر عن الشرط يعني صحة قيام الصلاة بالطهارة، وإما القيام الذي هو من مقدمات مباشرة الصلاة فالتقدير إذا قصدتم الصلاة إطلاقاً لاسم أحد لازميها على لازمها الآخرة فالوضوء من شرائط القيام الأول دون الثاني وهذا الخطاب خاص بالمحدثين بقرينة دلالة الحال فلا يلزم الوضوء على كل قائم إلى الصلاة سواء كان محدثاً أم لا كما يقتضيه ظاهر الآية ﴿فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ الغسل إجراء الماء على المحل وتسييله سواء وجد معه الدلك أم لا والوجه ما يواجهك من الإنسان وحده من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن طولاً ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضاً يجب غسل جميعه في الوضوء ويجب إيصال الماء إلى ما تحت الحاجبين وأهداب العينين والشارب والعذار والعنفقة وإن كانت كثيفة وعند الأمام لا يجب غسل ما تحت الشعر ففرض اللحية عنده مسح ما يلاقي الوجه دون ما استرسل من الذقن لأنه لما سقطت فرضية غسل ما تحت اللحية انتقلت فرضيته إلى خلفه وظاهر الآية أن المضمضة والاستنشاق غير واجبين في الوضوء لأن اسم الوجه يتناول الظاهر دون الباطن فهما من السنن ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ الجمهور على دخول المرفقين في المغسول ولذلك قيل إلى بمعنى مع كقوله تعالى :﴿تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ﴾ والمرافق جمع مرفق وهو مجتمع طرفي الساعد والعضد ويسمى مرفقاً لأنه الذي يرتفق به أي يتكأ عليه من اليد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٠
﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ الباء مزيدة كما ألقى بيده.
والمسح الإصابة وقدر الواجب عند أبي حنيفة ربع الرأس لأنه عليه السلام مسح على ناصيته وهو قريب من الربع فإن للرأس جوانب أربعة ناصية وقذال وفودان والقذال مؤخر الرأس خلف الناصية وفوداً الرأس جانباه، في "الواقعات المحمودية" قال حضرت الشيخ الشهير أفتاده أفندي : انكشف لي وجه الاختلاف في مقدار مسح الناصية وهو أن بدن الإنسان مربع فبالقياس إليه ينبغي أن يكون
٣٥٠


الصفحة التالية
Icon