ـ وروي ـ أنه جعلهم في كمه وأتى بهم الملك فنشرهم بين يديه فقال : ارجعوا إلى قومكم فأخبروهم بما رأيتم وكان لا يحمل عنقوداً من عنبهم إلا خسمة أنفس أو أربعة بينهم في خشبة ويدخل في شطر رمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس فجعلوا يتعرفون بأحوالهم فلما رجعوا قال بعضهم لبعض : إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل بخبر القوم ارتدوا عن نبي الله ولكن اكتموه إلا عن موسى وهارون فيكونان هما يريان رأيهما فأخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك ثم انصرفوا إلى موسى عليه السلام وكان معهم حبة من عنبهم وقر جمل فنكثوا عهدهم وجعل كل منهم ينهى سبطه عن قتالهم ويخبرهم بما رأى الإكالب ويوشع وكان معسكر موسى فرسخاً في فرسخ فجاء عوج حتى نظر إليهم ثم رجع إلى جبل فقوّر منه صخرة عظيمة على قدر المعسكر ثم حملها على رأسه ليطبقها عليهم فبعث الله الهدهد فقوّر من الصخرة وسطها المحازي لرأسه فانتقبت فوقعت في عنق عوج فطوقته فصرعته وأقبل موسى عليه السلام وطوله عشرة أذرع وكذا طول العصا فترامى في السماء عشرة أذرع فما أصاب العصا إلا كعبه وهو مصروع فقتله قالوا فأقبلت جماعة ومعهم الخناجر حتى جذروا رأسه وهكذا سنة الله فيما أراد حيث ينصر أولياءه بما لا يخطر ببالهم ولله في كل فعله حكمة تامة ومصلحة شاملة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
واعلم أن الله تعالى كما جعل في أمة موسى من النقباء المختارين المرجوع إليهم عند الضرورة اثني عشر كذلك جعل من كمال عنايته في هذه الأمة من النجباء البدلاء وأعزة الأولياء أربعين رجلاً في كل حال وزمان كما قال النبي عليه السلام :"يكون
٣٦٣
في الأمة أربعون على خلق إبراهيم وسبعة على خلق عيسى وواحدة على خلقي" فهم على مراتب درجاتهم ومناصب مقاماتهم أمنة هذه الأمة كما قال عليه السلام :"بهم ترزقون وبهم تمطرون وبهم يدفع الله البلاء" قال أبو عثمان المغربي : البدلاء أربعون والأمناء سبعة والخلفاء من الأئمة ثلاثة والواحد هو القطب عارف بهم جميعاً ومشرف عليهم ولا يعرفه أحد ولا يشرف عليه وهو إمام الأولياء الثلاثة الذين هم الخلفاء من الأئمة وهو يعرفهم وهم لا يعرفونه والخلفاء الثلاثة يعرفون السبعة الذين هم الأمناء ولا يعرفهم أولئك السبعة والسبعة يعرفون الأربعين الذين هم البدلاء ولا يعرفهم البدلاء الأربعون وهم يعرفون سائر الأولياء من الأمة ولا يعرفهم من الأولياء أحد فإذا نقص من الأربعين واحد جعل مكانه واحد من الأولياء وإذا نقص من السبعة واحد جعل مكانه واحد من الأربعين وإذا نقص من الثلاثة واحد جعل مكانه واحد من السبعة وإذا مضى القطب الذي هو الواحد في العدد وبه قوام أعداد الخلق جعل بدله واحد من الثلاثة هكذا إلى أن يأذن الله تعالى في قيام الساعة كما في "التأويلات النجمية"، وقال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر : القطب يحفظ المركز والإمام الأيمن يحفظ عالم الأرواح والإمام الأيسر يحفظ عالم الأجساد والأوتاد الأربعة يحفظون الشرق والغرب والجنوب والشمال والأبدال السبعة يحفظون أقاليم الكرة علواً وسفلاً انتهى كلامه في "كتاب العظيمة"، ويقول الفقير جامع هذه المجالس اللطائف : سمعت من حضرة شيخي وسندي الذي بمنزلة روحي في جسدي أن قطب الوجود إذا انتقل إلى الدار الآخرة يكون خليفته في الجانب الأيسر من الأفراد دون الجانب الأيمن وذلك لأن يسار الإمام يمين ويمينه يسار حين الاستقبال إلى القوم وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿فَأَصْحَـابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَـابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَـابُ الْمَشْـاَمَةِ مَآ أَصْحَـابُ الْمَشْئَمَةِ﴾ (الواقعة : ٨ ـ ٩) فإن لفظة ما عند أهل التحقيق نافية وأهل اليسار أهل الجلال والفناء وأهل اليمين أهل الجمال والبقاء فافهم هذا السر البديع وكن ممن ألقى سمعه وهو شهيد فإن المنكر الغافل طريد عن الحق بعيد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١
بسر وقت شان خلق كى ره برند
كه ون آب حيوان بظلمت درند
قال الصائب :
سخن عشق باخرد كفتن
بر رك مرده نيشتر زدنست
ثم تحقيق قوله تعالى :﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَواةَ﴾ أن إقامة الصلاة في إدامتها بأن تجعل الصلاة معراجك إلى الحق ونديم العروج بدرجاتها إلى أن تشاهد الحق كما شاهدت يوم الميثاق ودرجاتها أربع : القيام، والركوع، والسجود، والتشهد على حسب دركات نزلت بها من أعلى عليين وجوار رب العالمين إلى أسفل السافلين القالب وهي العناصر الأربعة التي خلق منها قالب الإنسان فالمتولدات منها على أربعة أقسام ولكل قسم منها ظلمة وخاصية تحجبك عن مشاهدة الحق وهي الجمادية وخاصيتها التشهد ثم النباتية وخاصيتها السجود ثم الحيوانية وخاصيتها الركوع ثم الإنسانية وخاصيتها القيام يشير إليك بالتخلص من حجب أوصاف الإنسانية وأعظمها الكبر وهو من خاصية النار والركوع يشير إليك بالتخلص من حجب صفات الحيوانية وأعظمها الشهوة
٣٦٤