وكأنه قيل هل كلهم كذلك مصرون على عدم الإيمان والتقوى والإقامة فقيل :﴿مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ﴾ أي طائفة عادلة غير غالية ولا مقصرة كعبد الله بن سلام وأضرابه ممن آمن من اليهود وثمانية وأربعين ممن آمن من النصارى.
والاقتصاد في اللغة الاعتدال في العمل من غير غلو ولا تقصير ﴿وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ﴾ مقول في حقهم ﴿سَآءَ مَا﴾ كانوا ﴿يَعْمَلُونَ﴾ وفيه تعجب بحسب المقام أي ما أسوء عملهم من العناد والمكابرة وتحريف الحق والإعراض عنه.
وفي الآية بيان أن التقوى سبب لتوسعة الرزق واستقامة الأمر في الدنيا والآخرة.
قال عبد الله القلانسي ركبت سفينة في بعض أسفاري فبدت ريح شديدة فاشتغل أهل السفينة بالدعاء والنذور وأشاروا إليّ بالنذر أيضاً فقلت أني مجرد عن الدنيا فالحوا عليّ فقلت إن خلصني الله لا آكل لحم الفيل فقالوا من يأكل لحم الفيل حتى تكفه عن نفسك فقلت : هكذا خطر ببالي فخلصني الله بجماعة ورمانا إلى ساحل البحر فمضى أيام لم نجد ما نأكل فبينا نحن جياع إذ ظهر جرو فيل فقتلوه وأكلوا لحمه ولم آكل رعاية لنذري وعدي فألحوا عليّ فقالوا : إنه مقام اضطرار فلم أقبل قولهم ثم ناموا فجاءت أم الجرو ورأت عظام ولدها وشمت الجماعة فرداً فرداً فكل من وجدت رائحته أهلكته ثم جاءتني فلما لم تجد الرائحة وجهت إليّ ظهرها وأشارت إليّ بالركوب فركبت فحملتني وأوصلتني تلك الليلة إلى موضع وأشارت إليّ بالنزول فنزلت ولقيت وقت السحر جماعة فأخذوني إلى البيت وأضافوني فأخبرتهم قصتي على لسان ترجمان فقالوا : من ذلك الموضع إلى هنا مسيرة ثمانية أيام وقد قطعتها في ليلة واحدة فظهر من هذه الحكاية أنه برعاية جانب التقوى والوفاء بالعهد يستقيم أمر المرء من جهة الدين والدنيا وأن شهوة واحدة من
٤١٦
شهوات الدنيا لها حزن طويل وكيد عظيم بل هلاك كما وقع لتلك الجماعة التي أكلوا جرو الفيل (وقتي زنبوري موريرا ديدكه بهزار حيله دانه بخانه ميكشد ودران رنج بسيارمي ديداورا كفت أي مور أين ه رنجست كه برخود نهادة بياكه مطعم ومشرب من ببين كه هر طعامكه لطيف ولذيذ ترست تا ازمن زياده نيابد بادشاهان نرسد هرانجاكه خواهم نشينم وآنه خواهم كزينم وخورم ودرين سخن بودكه بريريد وبدكان قصابي برمسلوخي نشست قصاب كه كارد دردست داشت بران زنبور مغرور زدد واره كرد برزمين انداخت ومور بيامد واي كشان اورا مي بردو كفت "رب شهوة ساعة أورثت صاحبها حزناً طويلاً" زنبور كفت مرابجايي مبركه نخواهم مور كفت هركه از روى حرص وشهوت جايي نشيندكه خواهد).
واعلم أن قوله تعالى :﴿لاكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾ إشارة إلى ما يحصل بالوهب الرحماني وما يحصل بالكسب الإنساني فمن عمل بما عمل واجتهد في طريق الحق كل الاجتهاد ينال مراتب الأذواق والمشاهدات فيحصل له جنتان جنّة العمل وجنة الفضل وهذا الرزق المعنوي هو المقبول، وفي "المثنوي" :
اين دهان بستي دهاني بازشد
كه خورنده لقمهاي رازشد
كر زشيرو ديوتن را وأبرى
در فطام او بسي نعمت خوري
اللهم أمدنا بفيض فضلك وإحسانك.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦١


الصفحة التالية
Icon