والحامل على الانكار هو الحسد كما كان لطائفة اليهود والنصارى فلا بد من تزكية النفس من مثل هذا القبيح ـ حكى ـ ان تلميذا للفضيل بن عياض حضرته الوفاة فدخل عليه الفضيل وجلس عند رأسه وقرأ سورة يس فقال يا استاذ لا تقرأ هذه ثم سكت ثم لقنه فقال لا اله الا الله فقال لا اقولها لانى بريىء منها ومات على ذلك فدخل الفضيل منزله وجعل يبكى اربعين يوما لم يخرج من البيت ثم رآه فى النوم وهو يسحب الى جهنم فقال بأى شىء نزع الله المعرفة عنك وكنت اعلم تلاميذى فقال بثلاثة.
اولها بالنميمة فانى قلت لاصحابى بخلاف ما قلت لك.
والثانى بالحسد حسدت اصحابى.
والثالث كان لى علة فجئت الى الطبيب وسألته عهنا فقال تشرب فى كل سنة قدحا من الشراب فان لم تفعل بقيت بك العلة فكنت اشربه نعوذ بالله من سخطه الذى لا طاقة لنا به كذا فى منهاج العابدين
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٨
﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ اى بألسنتهم فقط وهم المنافقون ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾ اى دخلوا فى اليهودية ﴿وَالصَّابِئُونَ﴾ اى الذين صبت قلوبهم ومالت الى الجهل وهم صنف من النصارى يقال لهم السائحون يحلقون اوساط رؤسهم وقد سبق فى سورة البقرة ﴿وَالنَّصَارَى﴾ جمع نصران وهو معطوف على الذين هادوا.
وقوله والصابئون رفع على الابتداء وخبره محذوف والجملة معطوفة على جملة قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ الخ والتقدير ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كيت وكيت والصابئون كذلك وانما لم يعطف على ما قبله جعل مع خبره المحذوف جملة مستقلة اتى بها فى خلال الجملة الاولى
٤١٩
على نية التأخير للدلالة على ان الصابئين مع كونهم اشد الفرق المذكورين فى هذه الآية ضلالا اذا قبل توبتهم وغفر ذنوبهم على تقدير الايمان الصحيح والعمل الصالح فقبول توبة باقى الفرق اولى واخرى ﴿مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ﴾ اى من احدث من هذه الطوائف ايمانا خالصا بالمبدأ والمعاد ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ حسبما يقتضيه الايمان بهما.
قوله من فى محل الرفع بالابتداء وخبره فلا خوف الخ والجملة خبر ان ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ حين يخاف الكفار العقاب ﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ حين يحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب والمراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهماقال الحدادى فى تفسيره اما نفى الحزن عن المؤمنين ههنا فقد ذهب بعض المفسرين الى انه لا يكون عليهم حزن فى الآخرة ولا خوف ونظيره قوله تعالى ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا﴾ وقال بعضهم ان المؤمنين يخافون ويحزنون لقوله تعالى ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ﴾ وقوله ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّه وَأَبِيهِ﴾ وقال ﷺ يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة فقالت عائشة واسوءتاه فقال صلى الله تعالى عليه وسلم اما سمعت قول الله تعالى لكل امرىء منهم يومئذ شان يغنيه قالوا وانما نفى الله تعالى فى هذه الآية الحزن عن المؤمنين لان حزنهم لما كان فى معرض الزوال ولم يكن له بقاء معهم لم يعتد بذلك انتهى : وفى المثنوى
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٩
هركه ترسد مرورا ايمن كنند
مردل ترشنده راساكن كنند
لاتخافوا هست نزل خائفان
هست درخور از براى خائف آن
آنكه خوفش نيست جون كويى مترس
درس جه دهى نيست او محتاج درس
واعلم ان اولياء الله لا خوف عليهم فيما لا يكون على شىء لانهم يقيمون القرآن عملا بالظاهر والباطن ولا هم يحزنون على ما يقاسون من شدائد الرياضات والمجاهدات ومخالفات النفس فى ترك الدنيا وقمع الهوى ولا على ما اصابهم من البلاء والمحن والمصيبات والآفات لانهم تخلصوا من التقليد وفازوا بالتحقيق وارتفع عنهم تعب التكاليف فهم مع الله فى جميع احوالهم فعلى المؤمن معالجة مرضه القلبى من الاوصاف الرذيلة والتخلص من النفاق واللحاق باهل الاتفاققال ابراهيم الخواص قدس سره دواء القلب خمسة.
قراءة القرآن بالتدبر.
وخلاء البطن.
وقيام الليل والتضرع.
الى الله عند السحر.
ومجالسة الصالحينقال حضرة الشيخ الشهير بالهدائى قدس سره ونحن نقول المصلح فى الحقيقة هو الله ولكن اشد الاشياء تأثيرا هو الذكر قال الله تعالى ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ قال على رضى الله عنه [يأتى على الناس زمان لا يبقى من الاسلام الا اسمه ولا من القرآن الا رسمه يعمرون مساجدهم وهى خراب من ذكر الله شر اهل ذلك الزمان علماؤهم منهم تخرج الفتنة واليهم تعود] : قال السعدى
علم جند انكه بيشتر خوانى
جون عمل در ونيست نادانى
نه محقق بود نه دانشمند
جاربايى برو كتابى جند
آن تهى مغزرا جه علم وخبر
كه بروهيز مست ويا دفتر
واعلم ان زبدة العلوم هى العلم بالله وما سواه فمن محسناته ومن علم فهو كامل فى نفسه الا ان العمل
٤٢٠


الصفحة التالية
Icon