٤٢٧
لها نزهة تخبرها بخطبة رسول الله صلى الله عليه وسلّم إياها فأعطتها أوضحاً لها سروراً بذلك وأمرها أن توكل من يزوجها فوكلت خالد بن سعيد بن العاص فأنكحها على صداق أربعمائة دينار وكان الخاطب لرسول الله النجاشي فأنفذ إليها على يد نزهة أربعمائة دينار فلما جاءتها بها أعطتها خمسين ديناراً فردتها وقالت : أمرني الملك أن لا آخذ منك شيئاً وقالت : أنا صاحبة دهن الملك وثيابه وقد صدقت محمداً صلى الله عليه وسلّم وآمنت به فحاجتي منك أن تقرئيه مني السلام قالت : نعم ثم أمر الملك نساءه أن يبعثن إلى أم حبيبة بما عندهن من عود وعنبر وكان عليه السلام يراه عليها وعندها فلا ينكر قالت أم حبيبة فخرجنا في سفينتين وبعث معنا النجاشي الملاحين فلما خرجنا من البحر ركبنا الظهر إلى المدينة ورسول الله عليه السلام بخيبر فخرج من خرج إليه وأقمت بالمدينة حتى قدم النبي عليه السلام فدخلت عليه فكان يسألني عن النجاشي فقرأت عليه من نزهة السلام فرد عليها السلام فأنزل الله ﴿عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم﴾ (الممتحنة : ٧) يعني : أبا سفيان ﴿مَّوَدَّةً﴾ يعني تزويج أم حبيبة ولما جاء أبا سفيان تزويج أم حبيبة برسول الله عليه الصلاة والسلام قال : ذاك الفحل لا يقرع انفه ثم قال عليه السلام :"لا أدري أنا بفتح خيبر أسرّ أم بقدوم جعفر" وبعث النجاشي بعد قدوم جعفر إلى رسول الله ابنه أزهر بن أصحمة بن الحر في ستين رجلاً من الحبشة وكتب إليه يا رسول الله أشهد أنك رسول الله صادقاً مصدقاً وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمترب العالمين وقد بعثت ابني أزهر وإن شئت أن آتيك بنفسي فعلت والسلام عليك يا رسول الله فركبوا سفينة في أثر جعفر وأصحابه فلما بلغوا أواسط البحر غرقوا وكان جعفر يوم وصل المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصل في سبعين رجلاً عليهم ثياب الصوف منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام منهم بحيراً الراهب فقرأ عليهم رسول الله سورة يس إلى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن فآمنوا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه السلام فأنزل الله تعالى هذه الآية
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١
﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَـارَى﴾ يعني وفد النجاشي الذين قدموا مع جعفر وهم السبعون وكانوا أصحاب الصوامع ﴿ذَالِكَ﴾ أي : كونهم أقرب مودة للمؤمنين.
﴿بِأَنَّ مِنْهُمْ﴾ أي بسبب أن منهم ﴿قِسِّيسِينَ﴾ وهم علماء النصارى وعبادهم ورؤساؤهم.
والقسيس صيغة مبالغة من تقسس الشيء إذا تتبعه وطلبه بالليل سموا به لمبالغتهم في تتبع العلم قاله الراغب.
وقال قطرب القسيس العالم بلغة الروم.
وعن عروة بن الزبير أنه قال : ضيعت النصارى الإنجيل وادخلوا فيه ما ليس منه وبقي واحد من علمائهم على الحق والدين وكان اسمه قسيساً فمن كان على مذهبه ودينه فهو قسيس ﴿وَرُهْبَانًا﴾ هو جمع راهب كراكب وركبان وقيل إنه يطلق على الواحد وعلى الجمع.
والترهب التعبد مع الرهبة في صومعة والتنكير لإفادة الكثرة ولا بد من اعتبارها في القسيسين أيضاً إذ هي التي تدل على مودة جنس النصارى للمؤمنين فإن اتصاف أفراد كثيرة بجنس الخصلة مظنة لاتصاف الجنس بها وإلا فمن اليهود أيضاً قوم مهتدون ألا يرى إلى عبد الله بن سلام وأضرابه قال تعالى :﴿مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ ءَايَـاتِ اللَّهِ ءَانَآءَ الَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ (آل عمران : ١١٣) الخ لكنهم لما لم يكونوا في الكثرة كالذين من النصارى لم يتعد حكمهم إلى جنس اليهود ﴿وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عطف على أن منهم أي وبأنهم لا يستكبرون
٤٢٨
عند قبول الحق إذا فهموه ويتواضعون ولا يتكبرون كاليهود.
وفيه دليل على أن التواضع والإقبال على العلم والعمل والإعراض عن الشهوات محمود وإن كانت في كافر.
أقول ذكر عند حضرة شيخي العلامة أبقاه الله بالسلامة رجولية بعض أهل الذمم ومروته فقال : إنه من آثار السعادة الأزلية ويرجى أن ذلك يدعوه إلى الإيمان والتوحيد ويصير عاقبته إلى الفلاح، قال الحافظ :
كارى كنيم ورنه خجالت بر آورد
روزي كه رخت جان بجهان دكر كشيم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٢١