ـ وروي ـ أن الله تعالى أرسله وهو ابن ثلاثين سنة فمكث في رسالته ثلاثين شهراً ثم رفعه الله تعالى إليه وينزل على هذا السن ثم يكهل ﴿وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَـابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاـاةَ وَالانجِيلَ﴾ أي : اذكر نعمتي عليكما وقت تعليمي لك جنس الكتب المنزلة وخص الكتابان بالذكر هو دخولهما في الجنس إظهاراً لشرفهما والمراد بالحكمة العلم والفهم لمعاني الكتب المنزلة وأسرارها وقيل هي استكمال النفس بالعلم بها وبالعمل بمقتضاها ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْـاَةِ الطَّيْرِ﴾ أي : تصور منه هيئة مماثلة لهيئة الطير ﴿بِإِذْنِى﴾ أن بتسهيل وتيسيري ﴿فَتَنفُخُ فِيهَا﴾ أي : في الهيئة المصورة ﴿فَتَكُونُ﴾ أي : تلك الهيئة ﴿بِإِذْنِى فَتَنفُخُ﴾ فالخلق حقيقةتعالى ظاهر على يده عليه السلام عند مباشرة الأسباب كما أن النفخ في مريم كان من جبريل والخلق من الله تعالى سألوا منه عليه السلام على وجه التعنت فقالوا له اخلق لنا خفاشاً واجعل فيه روحاً إن كنت صادقاً في مقالتك فأخذ طيناً وجعل منه خفاشاً ثم نفخ فيه فإذا هو يطير بين السماء والأرض وإنما طلبوا منه خلق خفاش لأنه أعجب من سائر الخلق ومن عجائبه أنه لحم ودم يطير بغير ريش ويلد كما يلد الحيوان ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور وله ضرع يخرج منه اللبن ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل وإنما يرى في ساعتين بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يسفر جداً ويضحك كما يضحك الإنسان ويحيض كما تحيض المرأة فلما رأوا ذلك منه ضحكوا وقالوا هذا سحر ﴿وَتُبْرِئُ الاكْمَهَ وَالابْرَصَ بِإِذْنِى﴾ الأكمه الذي ولد أعمى والأبرص هو الذي به برص أي : بياض في الجلد ولو كان بحيث إذا غرز بإبرة لا يخرج منه الدم لا يقبل العلاج ولذا خصا بالذكر وكلاهما مما أعيى الأطباء، وفي "المثنوي" :
صومعه عيسى است خوان أهل دل
هان وهان اي مبتلا اين درمهلجمع كشتندي زهر أطراف خلق
از ضرير وشل ولنك واهل دلق
او و فارغ كشتى از اوراد خويش
اكشتكه بيرون شدي آن خوب كيش
س دعا كردي وكفتي ازخدا
حاجت ومقصود جمله شدروا
خوش روان وشادمانه سوى خان
از دعاي او شدندي اروان
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٤
آز مودي توبسي آفات خويش
يا فتى صحت ازين شاهان كيش
٤٦٠
ند آن لنكىء تورهوار شد
ند جانت بي عم وآزار شد
﴿وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِى﴾ أي : تحيي الموتى وتخرجهم من قبورهم أحياء قيل اخرج سام بن نوح ورجلين وجارية كما سبق تفصيله في سورة آل عمران.
قال الكلبي : كان عيسى عليه السلام يحيي الموتى بيا حي ويا قيوم وهو الاسم الأعظم عند العلماء المحققين ﴿وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِى إسرائيل عَنكَ﴾ أي : منعت اليهود الذي أرادوا لك السوء عن التعرض لك ﴿إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَـاتِ﴾ بالمعجزات الواضحة ظرف لكففت ﴿فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أي : ما هذا الذي جئت به إلا سحر ظاهر رداً وإنكاراً فبقوا على مرض الكفر ولم يعالجوا بعلاج الإيمان على يد الحكيم الإلهي الحاذق.
ـ حكي ـ عن الشبلي أنه اعتل فحمل إلى البيمارستان وكتب علي بن عيسى الوزير إلى الخليفة في ذلك فأرسل الخليفة إليه مقدم الأطباء ليداويه فما أنجحت مداواته قال الطبيب للشبلي والله لو علمت أن مداواتك في قطعة لحم من جسدي ما عسر على ذلك قال الشبلي دوائي فيما دون ذلك قال الطبيب وما هو قال بقطعك الزنار فقال الطبيب أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فأخبر الخليفة بذلك فبكى وقال نفذنا طبيباً إلى مريض وما علمنا أنا نفذنا مريضاً إلى طبيب، قال اليافعي هذا هو الطبيب الحاذق وحكمته من الحكمة التي بها العلل تزول وفيه أقول :
إذا ما طبيب القلب أصبح جسمه
عليلاً فمن ذا للطبيب طبيب
فقل هم أولوا علم لدني وحكمة
آلهية يشفي بذاك قلوب
وكل مرشد كامل فهو عيسى وقته، فإن قلت إن أولياء الله هم الأطباء حقيقة ومن شأن الطبيب أن يعالج ويبرىء دون أن يهلك ويمرض فما شأن إبراهيم الخواص أشار بإصبعيه إلى عيني رجل في برية أراد أن يسلب منه ثيابه فسقطتا، قلت : إنما دعا إبراهيم على اللص بالحمى ودعا إبراهيم بن أدهم على الذي ضربه بالجنة لأن الخواص شهد من اللص أنه لا يتوب إلا بعد العقوبة فرأى العقوبة أصلح له وابن أدهم لم يشهد توبة الظالم في عقوبته فتفضل عليه بالدعاء فتوة منه وكرماً فحصلت البركة والخير بدعائه للظالم فجاءه مستغفراً متعذراً فقال له إبراهيم الرأس الذي يحتاج إلى الاعتذار تركته ببلخ وقد كان الأنبياء يدعون مطلقاً بحسب الأحوال والمصالح وكل ذلك بإذن الله تعالى فهم في دعائهم فانون عن أنانيات وجودهم لا يصدر من لسانهم إلا حق مطابق للواقع والحكمة والأولياء تلو لهم في ذلك ولكن الناس لا يعلمون، وفي "المثنوي" :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٤
ون بباطن بنكري دعوى كجاست


الصفحة التالية
Icon