وكان المولى جلال الدين قدس سره : يعظ يوماً لأهل قرامان، ويحكي أن من كان عاصياً ومات قبل التوبة من العصيان، فإنه يدخل النار بعدله تعالى فبعد احتراقه بقدر خطاه يخرجه الله تعالى منها ويعتقه ويدخله الجنة، فقال شخص كان في ذلك المجلس ليت هذا حصل قبل أن يهدم عرض المرء وينكسر، فادع الله تعالى أيها المولى حتى يشرفنا بالجنة قبل انكسار الأعراض نسأل الله تعالى أن يعاملنا بلطفه وكرمه إنه ولي الهداية والتوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٨
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بآياتنا﴾ وهي الحجج الدالة على أصول الدين من التوحيد ونبوة الأنبياء والبعث والجزاء.
﴿وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَآ﴾ أي : تعظموا وترفعوا عن الإيمان بها والعمل بمقتضاها وهم الكفار.
﴿لا تُفَتَّحُ﴾ التشديد لكثرة الأبواب.
﴿لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ﴾ أي : لا تقبل أدعيتهم ولا أعمالهم أو لا تعرج إليها أرواحهم كما هو شأن أدعية المؤمنين وأعمالهم وأرواحهم، وفي الحديث :"إن روح المؤمن يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال مرحباً بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب إلى أن تنتهي إلى السماء السابعة، ويستفتح لروح الكافر، فيقال لها : ارجعي ذميمة فيهوي بها إلى سجّين" وهو
١٦٠
مقر إبليس الأبالسة تحت الأرض السابعة، فالأوراح كلها سعيدها وشقيها متصلة بأجسادها فتعذب الأرواح وتتألم الأجساد منه كالشمس في السماء ونورها في الأرض.
واعلم : أن أرواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء والأرض بعضها في الهواء وبعضها في أفنية القبور إلى سبعة أيام إلى سنة إلى غير ذلك من الزمان حتى تصعد وتتخلص بدعوات الأحياء وأمداد الحسنات وتصل إلى المقر السماوي الدنيوي.
﴿وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ أي : حتى يدخل ما هو مثل في عظم الجرم وهو البعير في ما هو مثل في ضيق المسلك وهو ثقب الإبرة وذلك مما لا يكون فكذا ما توقف عليه.
(هر كارى موقوف محالست محالست).
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٠
والعرب إذا أرادت تأكيد النفي علقته بما يستحيل كونه كما قال الشاعر :
إذا شاب الغراب أتيت أهلي
وصار القار كاللبن الحليب والجمل : زوج الناقة وإنما يسمى جملاً إذا أربع، أي إذا دخل في السنة السابعة، فإنه يقال له في السنة السابعة رباع وللأنثى رباعية بالتخفيف.
والخياط : ما يخاط به فسم الخياط بالفارسية (سوارخ سوزن)، وقرىء الجمل بضم الجيم وتشديد الميم، وهو الحبل الغليظ من القنب أو حبل السفينة التي يقال له القلس، وهي حبال مجموعة مفتولة.
﴿وَكَذالِكَ﴾ أي مثل ذلك الجزاء الفظيع وهو الحرمان من الجنة.
﴿نَجْزِى الْمُجْرِمِينَ﴾ أي : جنس المجرمين فدخلوا في زمرتهم دخولاً أولياً ﴿لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾ من جهنم حال من مهاد ومعناه فراش من النار يضطجعون ويقعدون فيه.
﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ أي : أغطية جمع غاشية وهو ما يغشي الشيء ويستره، ومعنى الآية الإخبار عن إحاطة النار بهم من كل جانب حيث كانت غطاء لهم ووطاء وفي الحديث :"الكافر يكسى لوحين من نار في قبره".
﴿وَكَذالِكَ﴾ أي : مثل ذلك الجزاء الشديد وهو التعذيب بالنار.
﴿نَجْزِى الظَّـالِمِينَ﴾ ولما كان التعذيب المؤبد بنار جهنم أشد العقوبات دل ذكر الظلم معه على أنه أعظم الأجرام.
واعلم أن فوت النعيم أيسر من مقاساة الجحيم والمصيبة العظمى هي الخلود.
وذكر عند الحسن البصري : أن آخر من خرج من النار رجل يقال له : هناد عذب ألف عام، ينادي يا حنان ويا منان فبكى الحسن، وقال : ليتني كنت هناداً فتعجبوا منه، فقال : ويحكم أليس يوماً يخرج.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٠
والإشارة ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بآياتنا﴾ وهي السنن الحسنة المنزلة على الأنبياء وما أظهره الله تعالى على يد الأولياء من الكرامات والعلوم اللدنية فأنكروها.
﴿وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَآ﴾ أي : تكبروا عن قبولها والإيمان بها.
﴿لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ﴾ أي : أبواب سماء القلوب إلى الحضرة.
﴿وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ أي : جنة القربة والوصلة.
﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ﴾ أي : جمل النفس المتكبرة.
﴿فِى سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ وهو مدخل الطريقة التي بها تربى النفوس الأمارة وتزكى لتصير مطمئنة فتستحق بها خطاب ارجعي إلى ربك، فالمعنى : أن النفس المتكبرة لما صارت كالجمل لتكبرها لا تصلح لدخول جنة الحقيقة إلا بعد تزكيتها بأحكام الشريعة وآداب الطريقة، حتى تصير بالتربية في إزالة الصفات الذميمة، وقطع تعلقات ما سوى الله تعالى أدق من الشعر بألف مرة، فيلج في سم خياط الفناء فيدخل الجنة جنة البقاء فافهم جداً.
﴿وَكَذَالِكَ نَجْزِى الْمُجْرِمِينَ﴾ الذي أجرموا على أنفسهم الضعيفة اللطيفة حتى صارت من الأوزار كالجمل بأن نجعل ﴿لَهُم مِّن جَهَنَّمَ﴾ المجاهدة والرياضة فراشاً، وهو
١٦١