قال ابن عباس وأبو هريرة : إذا مات الناس كلهم في النفخة الأولى مطرت السماء أربعين يوماً قبل النفخة الأخيرة مثل مني الرجال فينبتون من قبورهم بذلك المطر، كما ينبتون في بطون أمهاتهم وكما ينبت الزرع من الماء، حتى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيها الروح ثم يلقى عليهم نومة فينامون في قبورهم، فإذا نفخ في الصور النفخة الثانية، وهي نفخة البعث جاشوا وخرجوا من قبورهم وهم يجدون طعم النوم في رؤوسهم، كما يجده النائم إذا استيقظ من نومه فعند ذلك يقولون : من بعثنا من مرقدنا فيناديهم المنادي هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون.
والإشارة في الآية : أن الرياح رياح العناية، والسحاب سحاب الهداية، والماء ماء المحبة فيخرج الله تعالى بهذا الماء سمرات المشاهدات والمكاشفات وأنواع الكمالات، كذلك نخرج الموتى، أي موتى القلوب من قبور الصدور لعلكم تذكرون، أي : تذكرون أيام حياتكم دون حياض الأنس ورياض القرب عند حظائر القدس.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٩
واعلم : أن العمدة هي العناية الأزلية، وهي تصل إلى العباد في الخلا والملا حكي أنه قيل لولي من أولياء الله تعالى : اذهب إلى دار الشرك فإن فيها صديقاً فكان ذلك الولي يقدر على الاختفاء فذهب إلى دار المشركين فأسره مشرك وباعه لخادم كنيسة فخدم فيها زماناً بالصدق، فجاء السلطان يوماً إلى الكنيسة فخلاها ثم صلى فاستتر الولي ثم ظهر للسلطان، فقال : من أنت؟ قال : مسلم مثلك، وقيل للولي
١٨٠
هو الصديق، ثم سأل الولي ذلك السلطان الصديق عن حاله، فقال : في أحسن الأحوال وأرغد عيش آكل الرزق الحلال، وأعبد خالصاً عن الرياء وأقتل الكفار وأعين المسلمين بحيث لو كنت سلطانهم ما قدرت، ثم خرج من الكنيسة وقعد عند بابها فسأل عني البطارقة والرهبان والخدام، ثم قتل الكل، وقال : تتكبرون عن خدمة بيت الرب بأنفسكم وتستخدمون غير أهل الملة، ثم خلى سبيلي وفي هذه الحكاية إشارة إلى أن الله تعالى إذا أراد أهلك العدو بأدنى سبب من حيث لا يحتسب فإن له ألطافاً خفية.
قال الحافظ :
تيغى كه آسمانش ازفيض خوددهد آب
تنها جهان بكيرد بى منب ساهى
وقال أيضاً :
دلا طمع مبراز لطف بى نهايت دوست
كه ميرسد همه را لطف بى نهايت او
فنظر أهل التوحيد وأرباب البصيرة إلى المؤثر الحقيقي والفيض الأزلي لا إلى الخلق والوسائط والأسباب، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين فازوا بالسعادة الأبدية والعناية السرمدية، ويسلك بنا مسلك الحقيقة والطريقة الأحمدية إنه هو البر الرحيم.
﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ﴾ أي : الأرض الكريمة التربة.
وفي "التفسير الفارسي" :(وزمين اك ازسنك وريك كه شايسته وصالح زراعت باشد).
﴿يَخْرُجُ نَبَاتُه بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ بمشيئته وتيسيره ما أذن الله في خروجه لا يكون إلا أحسن أكثر عزيز النفع.
﴿وَالَّذِى خَبُثَ﴾ والبلد الذي خبث ترابه كالحرة والسبخة.
الحرة : أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار، والسبخة : الأرض المالحة التي لا تنبت شيئاً.
﴿لا يَخْرُجُ﴾ نباته في حال من الأحوال.
﴿إِلا﴾ في حال كونه ﴿نَكِدًا﴾ قليلاً عديم النفع فهو مستثنى مفرغ من أعم الأحوال.
والنكد بكسر الكاف القليل الخير الممتنع عن إفادة النفع على جهة البخل والضنة والمصدر النكد بفتحتين، يقال نكد عيشهم بكسر الكاف ينكد بالفتح نكداً إذا اشتد عيشهم وضاق.
﴿كَذَالِكَ﴾ أي : مثل ذلك التصريف البديع.
﴿نُصَرِّفُ الايَـاتِ﴾ نرددها ونكررها ﴿لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ نعمة الله فيتفكرون فيها ويعتبرون بها وتخصيصهم بالذكر ؛ لأنهم المنتفعون بها كقوله تعالى :﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة : ٢) والآية مثل لإرسال الرسل عليهم السلام بالشرائع التي هي ماء حياة القلوب إلى المكلفين المنقسمين إلى المقتبسين من أنوارها والمحرومين من مغانم آثارها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٩
وفي "التفسير الفارسي" :(هركاه كه باران مواعظ ازسحاب كلام رب الأرباب بردل مؤمن بارد أنوار طاعات وعبادات برجوارح أو ظاهر كرد ون كافر استماع سخن كند زمين دلش تخم نصيحت قبول نكند ازو هي صفت كه بكار آيددر ظهور نيايد).
قال السعدي قدس سره :
زمين شوره سنبل برنيارد
دروتخم عمل ضايع مكردان
وقال الحافظ قدس سره :
كوهر اك بيايدكه شود قابل فيض
ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود
وعن عبد الله بن مهران قال : حج الرشيد فوافى الكوفة فأقام بها أياماً، ثم أمر بالرحيل فخرج الناس وخرج بهلول المجنون فيمن خرج فجلس بالكناسة والصبيان يؤذونه ويولعون به ؛
١٨١


الصفحة التالية
Icon