﴿أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى﴾ (يا ايمن شدند أهل شهرها) ﴿أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى﴾ ضحوة النهار وبالفارسي (دروقت اشت) وهو في الأصل ضوء الشمس إذا ارتفعت ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ أي : يلهون من فرط الغفلة بصرف الهمم فيما لا ينفع لا في أمر الدين ولا في أمر الدنيا أو يشتغلون بما لا ينفعهم من أمور الدنيا فإن من اشتغل بدنياه وأعرض عن آخرته فهو كاللاعب.
(ملخص سخن آنست كه بعد ازتكذيب رسل ازعذاب الهي ايمن نتوان بود نه بروز ونه بشب) ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ﴾ مكر الله استعارة لاستدراجه العبد وأخذه من حيث لا يحتسب والمراد به إتيان بأسه تعالى في الوقتين المذكورين.
قال الحدادي : إنما سمي العذاب مكراً على جهة الاتساع والمجاز لأن المكر ينزل بالممكور من جهة الماكر من حيث لا يشعر وأما المكر الذي هو الاحتيال للإظهار بخلاف الإضمار فذلك لا يجوز على الله.
﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ﴾ الفاء فاء جواب شرط محذوف، أي إذا كان استدراجه وأخذه على هذا
٢٠٦
الوجه فلا يأمن مكره بهذا المعنى :﴿إِلا الْقَوْمُ الْخَـاسِرُونَ﴾ الذين ليسوا من القوم الرابحين قيل : معنى الآية ولا يأمن عذاب الله من العصاة أو لا يأمن عذاب الله من المذنبين والأنبياء عليهم السلام لا يأمنون عذاب الله على المعصية ولهذا لا يعصون بأنفسهم انتهى.
قال في "التأويلات النجمية" : مكره تعالى مع أهل القهر بالقهر ومع أهل اللطف.
باللطف ﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ﴾ من أهل القهر ﴿إِلا الْقَوْمُ الْخَـاسِرُونَ﴾ الذين خسروا سعادة الدارين ومن أهل اللطف إلا الخاسرون الذي خسروا الدنيا والعقبى وربحوا المولى فعلى هذا أهل الله هم الآمنون من مكر الله ؛ لأن مكر الله في حقهم مكر باللطف دل عليه قوله :﴿أولئك لَهُمُ الامْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ (الأنعام : ٨٢) ولهذا قال :﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَـاكِرِينَ﴾ (الأنفال : ٣٠) لأن مكرهم مكر في مستحقيه وغير مستحقيه بالقهر ومكره في مستحقيه باللطف فافهم واعتبر جداً انتهى.
واعلم : أن الأمن من مكر الله تعالى قد عد كفراً لكن هذا بالنسبة إلى أهل المكر دون أهل الكرم فإن كمل الأولياء مبشرون بالسلامة في حياتهم الدنيوية كما قال تعالى :﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ (يونس : ٦٤) فلهم سلامة دنيوية وأخروية كما قال تعالى :﴿لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ لكنهم يكتمون سلامتهم لكونهم مأمورين بالكتمان وعلمهم بسلامتهم يكفي لهم ولا حاجة لهم بعلم غيرهم، وأما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلهم أن يخبروا بسلامتهم لكونهم شارعين فلا بد لغيرهم من العلم بسلامتهم حتى يؤمن ويقبل دعوتهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٦
﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الارْضَ مِنا بَعْدِ أَهْلِهَآ﴾ عدي فعل الهداية باللام لأنها بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل قوله أن لو نشاء ومعنى يرثون الأرض من بعد أهلها يخلفون من خلا قبلهم من الأمم المهلكة ويرثون ديارهم والمراد بهم أهل مكة ومن حولها، والمعنى : أو لم يبين ويوضح لهم عاقبة أمرهم إن سلكوا طريق أسلافهم ﴿ءَانٍ﴾ مخففة، أي : أن الشأن ﴿لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَـاهُم بِذُنُوبِهِمْ﴾ أي : بجزاء ذنوبهم وسيئاتهم أو بسبب ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم.
قال سعدي لبى المفتي : ويجوز أن يضمن معنى أهلكناهم فلا حاجة إلى تقدير المضاف.
﴿وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ عطف على ما يفهم من قوله تعالى :﴿أَوَلَمْ يَهْدِ﴾ كأنه قيل لا يهتدون ونطبع على قلوبهم أي ختم عليها عقوبة لهم.
﴿فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ أي : أخبار الأمم المهلكة فضلاً عن التدبر والنظر فيها والاغتنام بما في تضاعيفها من الهدايات.
قال الكاشفي :(كوش دل ازاستماع سخن حق فائده داردنه كوش آب وكل).
اين سخن ازكوش دل بايد شنود
كوش كل اينجا ندارد هي سود
كوش سربا جمله حيوان همدم است
كوش سر مخصوص نسل آدم است
كوش سرون جانب كوينده است
كوش سر سهلت اكر آكنده است
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٠٦
﴿تِلْكَ الْقُرَى﴾ يعني : قرى الأمم المار ذكرهم فاللام للعهد.
﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ (خوانده ايم برتو) ﴿مِنْ أَنابَآئِهَا﴾ من للتبعيض، أي : بعض أخبارها التي فيها عظة وتذكير.
﴿وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ﴾ الباء متعلقة إما بالفعل المذكور على أنها للتعدية وإما بمحذوف وقع حالاً من فاعله أي ملتبسين بالبينات.
والمعنى وبالله لقد جاء كل أمة من تلك الأمم المهلكة رسولهم الخاص بهم بالمعجزات البينة المتكثرة المتواردة عليهم الواضحة الدلالة على صحة رسالته الموجبة
٢٠٧