﴿حَقِيقٌ عَلَى أَن لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ﴾ أي : جدير بأن لا أقول على الله إلا الحق فوضع على موضع الباء لإفادة التمكن، كقولك : رميت على القوس، وجئت على حالة حسنة، أي : رميت بالقوس وجئت بحالة حسنة أو ضمن حقيق معنى حريص.
وفي "المدارك" : يجوز تعلق على بمعنى الفعل في الرسول أي إني رسول حقيق جدير بالرسالة أرسلت على أن لا أقول على الله إلا الحق انتهى.
وقرأ نافع على بتشديد الياء.
ثم إن موسى لما ادعى أنه رسول من رب العالمين ذكر ما يدل على صحة دعواه فقال :﴿قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ﴾ أي : بمعجزة ظاهرة كائنة.
﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ يعني العصا واليد.
﴿فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ﴾ أي : فخلهم حتى يذهبوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطن آبائهم وكان قد استعبدهم (وسبب آن بودكه ون يعقوب عليه السلام باأولاد وأحفاد خود بمصر آمدند همانجا قرار كرفتند ونسل ايشان بسيار شد ويعقوب ويوسف بابرادران دركذشتند وملك ريان كه فرعون زمان يوسف بود وبمرد سرش مصعب بني إسرائيل را حرمت ميداشت ومتعرض
٢١٠
إيشان نمى شد ون أو بمرد وليدكه فرعون زمان موسى بود برتخت سلطنت نشست وزبان بلاف أنا ربكم الأعلى بكشاد بني إسرائيل دعوى أو قبول نكردند كفت در شما درمخريده كسان ما بود وشما بنده زادكان ما ييد س ايشانرا ببندكى كرفت)، وكان يستعملهم في الأعمال الشاقة مثل ضرب اللبن ونقل التراب وبناء المنازل وأشباه ذلك فلما جاء موسى أراد أن يرجع بهم إلى موطن آبائهم الذي هو الأرض المقدسة وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف مصر واليوم الذي دخل فيه موسى أربعمائة عام.
﴿قَالَ﴾ فرعون : وهو استئناف بياني ﴿قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ﴾ أي : من عند من أرسلك كما تدعيه.
﴿فَأْتِ بِهَآ﴾ فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك فإن الإتيان والمجيء وإن كانا بمعنى واحداً لأن بينها فرقاً من حيث أن المجيء يلاحظ فيه نقل الشيء من جانب المبدأ، والإتيان يلاحظ فيه إيصاله إلى المنتهى فإن مبدأ المجيء هو جناب المرسل ومنتهى الإتيان هو المرسل إليه.
﴿إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ﴾ في دعواك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٠
﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ﴾ من يده ﴿فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ﴾ وهو الحية الصفراء الذكر أعظم الحيات لها عرف كعرف الفرس ﴿مُّبِينٌ﴾ أي ظاهر أمره لا يشك في كونه ثعباناً ولا يختلج ببال أحد كونه من جنس العصا.
روي أنه لما ألقاها صارت ثعباناً أشعر أي كان له على ظهره شعور سود مثل الرماح الطوال فاغراً فاه، أي فاتحاً بين لحييه ثمانون ذراعاً وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون فهرب منه وأحدث وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذه وأنا أؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذه فعاد عصا.
والإشارة : أن الله تعالى جعل عصاه ثعباناً لأنه أضافها إلى نفسه حين قال :﴿هِىَ عَصَاىَ﴾ (طه : ١٨) ثم جعلها محل حاجاته حيث قال :﴿قَالَ هِىَ عَصَاىَ أَتَوَكَّؤُا﴾ (طه : ١٨) ففيه إشارة إلى أن كل شيء أضفته إلى نفسك، ورأيت محل حاجاتك فإنه ثعبان يبتلعك ولهذا ﴿قَالَ أَلْقِهَا يا مُوسَى﴾ (طه : ٩) يعني : لا تتمسك بها ولا تتوكأ عليها ولا كان قادراً على أن يجعلها في يده ثعباناً كذا في "التأويلات النجمية".
ثم قال له فرعون : هل معك آية أخرى؟ قال نعم.
﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾ أي : أخرجها من جيبه أو من تحت إبطه ﴿فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ لِلنَّـاظِرِينَ﴾ أي : بيضاء بياضاً نورانياً خارجاً عن العادة ويجتمع عليها النظارة تعجباً من أمرها وذلك ما يروى أنه أرى فرعون يده وقال ما هذه فقال يدك ثم أدخلها جيبه وعليه مدرعة من صوف، ونزعها فإذا هي بيضاء بياضاً نورانياً غلب شعاعه شعاع الشمس وكان عليه السلام آدم شديد الأدمة.
وفيه إشارة : إلى أن الأيدي قبل تعلقها بالأشياء كانت بيضاء فلما تمسكت بالأشياء صارت ظلمانية فإذا نزعت عنها تصير بيضاء كما كانت فافهم جداً.
فلما شاهد فرعون هذه المعجزة تشاور مع أشراف قومه في أمر موسى.
﴿قَالَ الْمَلا مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ﴾ أي : الأشراف منهم وهم أصحاب مشورته ﴿إِنَّ هَـاذَا لَسَـاحِرٌ﴾ (جادويست) ﴿عَلِيمٌ﴾ مبالغ في علم السحر ماهر فيه، ولما كان السحر غالباً في ذلك الزمان ولا شك أن أهل كل صنعة على طبقات مختلفة بحسب الحذاقة والمهارة زعم القوم أن موسى كان حاذقاً في علم السحر بالغاً فيه إلى أقصى الغاية، وأنه جعل علمه وسيلة إلى طلب الملك والرسالة فلذلك قالوا.
٢١١
﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم﴾ بسحره ﴿مِّنْ أَرْضِكُم﴾ مصر ويجعل الحكومة لبني إسرائيل فلما سمع فرعون هذا قال :﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ بفتح النون وما في فماذا في محل النصب على أنه مفعول ثاننٍ لتأمرون بحذف الجار والأول محذوف، والتقدير بأي شيء تأمرونني أي فإذا كان كذلك فماذا تشيرون؟
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٠