ثم فزعوا إلى الله تعالى فقالوا ﴿رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا﴾ أي : أفض علينا من الصبر على وعيد فرعون ما يغمرنا كما يغمر الماء فإفراغ الماء أي صبه من قبيل الاستعارة شبه الصبر على وعيد فرعون بالماء الغامر تشبيهاً مضمراً في النفس وجعل نسبة الإفراغ إليه تخييلاً للاستعارة بالكناية لأن الإفراغ
٢١٤
من لوازم الماء وملائماته.
﴿وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ ثابتين على ما رزقتنا من الإسلام غير مفتونين من الوعيد قيل لم يقدر عليهم لقوله تعالى :﴿أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : فأخذ فرعون السحرة فقطعهم ثم صلبهم على شاطىء نيل مصر.
وفي "المثنوي" :
ساحران ون حق او بشناختند
دست وا در جرمها در باختند
وفي القصة : إشارة إلى أن فرعون النفس أيضاً منكر على إيمان سحرة صفاتها ويقول :﴿بِه ا ءَآلَاانَ﴾ أي : بموسى الروح ﴿ءَامَنتُم بِه قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ﴾ يعني : بالإيمان به ﴿إِنَّ هَاذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ﴾ يا سحرة الصفات في موافقة موسى الروح.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٣
﴿فِى الْمَدِينَةِ﴾ مدينة القالب والبدن ﴿لِتُخْرِجُوا مِنْهَآ أَهْلَهَا﴾ وهو اللذات والشهوات البدنية الجسمانية، فإن صفات النفس إذا آمنت ووافقت الروح وصفاته خرجت من البدن لذات الدنيا وشهواتها.
﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ حيلي ومكايدي في إبطالكم واستيفاء اللذات والشهوات.
﴿لاقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ﴾ بسكين التسويل عن الأعمال الصالحة.
﴿ثُمَّ لاصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ في جذوع تعلقات الدنيا وزخارفها.
﴿قَالُوا إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ﴾ لا إلى الدنيا وما فيها ﴿وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلا أَنْ ءَامَنَّا بآيات رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا﴾ على قطع تعلقات الدنيا ﴿وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ لعبوديتك.
﴿وَقَالَ الْمَلا مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ﴾.
روي أن فرعون بعد ما رأى من موسى عليه السلام ما رأى من معجزة العصا واليد البيضاء خافه أشد الخوف، فلذلك لم يجب ولم يتعرض له بسوء بل خلى سبيله، فلذلك قال له أشراف قومه :﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ﴾ أي : أتتركهم.
﴿لِيُفْسِدُوا فِى الأرْضِ﴾ أي : يفسدوا على الناس دينهم في أرض مصر ويصرفوهم عن متابعتك.
﴿وَيَذَرَكَ﴾ عطف على يفسدوا ﴿وَءَالِهَتَكَ﴾ معبوداتك.
قيل : كان يعبد الكواكب والأصح كما في "التفسير الفارسي" أنه صنع لقومه أصناماً على صورته وأمرهم بأن يعبدوها تقرباً إليه، ولذلك قال : أنا ربكم الأعلى، ﴿قَالَ﴾ فرعون مجيباً لهم ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ﴾ (زود باشدكه بكشيم سران ايشانرا).
﴿وَنَسْتَحْى نِسَآءَهُمْ﴾ أي : نتركهن أحياء ولا نقتلهن بل نستخدمهن والمقصود سنعود إلى قتل أبنائهم واستخدام نسائهم كما كنا نفعل وقت ولادة موسى ليعلم أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبة ولا يتوهم أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يديه.
﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ أي : مستعلون عليهم بالقوة كما كنا لم يتغير حالنا أصلاً، وهم مقهورون تحت أيدينا كذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٣
﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ تسلية لهم وعدة لحسن العاقبة حين سمعوا قول فرعون وعجزوا عنه ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ﴾ (يا رى خواهيد ازخداى تعالى دردفع بلاى فرعون) ﴿وَاصْبِرُوا﴾ على ما سمعتم من أقاويله الباطلة ﴿إِنَّ الارْضَ﴾ أي أرض مصر.
﴿يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ (ميراث دهدهر كرا ميخواهد ازبندكان خود) ﴿وَالْعَاقِبَةُ﴾ (عاقبة نيكويانصرت وظفر يابهشت) ﴿لِّلْمُتَّقِينَ﴾ الذين أنتم منهم ؛ لأنه روي أنه لما غلب سحرة فرعون وتبين نبوة موسى بسطوع حجته آمن بموسى من بني إسرائيل ستمائة ألف نفس واتقوا عن الشرك والعصيان، وفيه إيذان بأن الاستعانة بالله تعالى والصبر من باب التقوى.
قال الحافظ :
آنكه يرانه سرم صحبت يوف بنواخت
اجر صبريست كه دركلبه أحزان كردم
٢١٥