قال ابن الشيخ : الموعود : يجب أن يكون من فعل الواعد ونفس الثلاثين ليس كذلك فكأنه قيل وواعدنا موسى ما يتعلق بثلاثين ليلة وهو منا إنزال عند إتمام صوم الثلاثين، ومن موسى صوم تلك المدة وإتيان الطور انتهى بتغيير عبارته فواعدنا ليس بمعنى وعدنا بل على بابه بناء على تنزيل قبول موسى عليه السلام منزلة الوعد.
﴿وَأَتْمَمْنَـاهَا بِعَشْرٍ﴾ أي : زدنا على تلك الثلاثين عشر ليال ﴿فَتَمَّ مِيقَـاتُ رَبِّهِ﴾ ما وقت له في الوقت الذي ضرب له والفرق بين الميقات والوقت أن الميقات وقت تقدر لأن يقع فيه عمل من الأعمال وأن الوقت ما يقع فيه شيء سواء قدره مقدر لأن يقع فيه ذلك الشيء أم لا؟ ﴿أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ حال من قوله ميقات ربه، أي : تم بالغاً هذا العدد وقيل هو مفعول تم لأنه بمعنى بلغ ـ ـ روي ـ ـ إن موسى عليه السلام وعد بني إسرائيل وهم بمصر إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين وهو ذو القعدة بتمامه ليكلمه ويوحي إليه ويكرمه بما يتم به أمر نبوته فصامهن موسى عليه السلام على طريق المواصلة بين ليلهن ونهارهن، وإنما لم يجع في تلك المدة وصبر ولم يصبر نصف
٢٢٧
يوم في سفر الخضر حيث قال : آتنا عداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً، قيل لأن سفر الخضر سفر التأدب والامتحان والابتلاء فزاد البلاء على الابتلاء حتى جاع في نصف يوم في صحبة المخلوق وحضوره الجبل وسفره إليه سفر اللقاء وصحبة الحق فأنساه هيبة الموقف الطعام والشراب وأغناه من غيره ثم لما أتم الثلاثين وانسلخ الشهر أنكر خلوف فيه أي كره أن يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم فتسوك بعود خرنوب وتناول شيئاً من نبات الأرض فمضغه فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٧
وقيل : أوحى الله تعالى إليه أما علمت أن ريح فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ولذا كره التسوك عند الشافعي في آخر نهار الصوم بناء على أن السواك يزيل الخلوف فأمر الله تعالى بأن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة ليعود فوه إلى ما كان عليه فصام فتشرف بالوحي والكليم يوم النحر كذا قال أهل التفسير.
وفيه : أن الوحي والتكليم إذا كان يوم النحر يلزم أن لا يكون أيام الصوم أربعين كملاً، وهو مخالف للنص اللهم إلا أن تعتبر الليالي أو كان صوم يوم النحر مشروعاً في شريعته هكذا لاح بالبال.
ثم إن موسى عليه السلام لما أراد الانطلاق إلى الجبل للمناجاة أمره الله تعالى أن يختار سبعين رجلاً من قومه من ذوي الحجى والعقل ليشهدوا له على ما يشاهدونه من كرامة الله تعالى إياه ففعل واستخلف هارون أخاه في قومه، كما قال تعالى :﴿وَقَالَ مُوسَى لاخِيهِ هَـارُونَ﴾ قبل انطلاقه إلى الجبل الذي أمر بالعبادة فيه كما في "تفسير الحدادي" وهارون عطف بيان.
﴿اخْلُفْنِى﴾ كن خليفتي وقم مقامي ﴿فِى قَوْمِى﴾ وراقبهم فيما يأتون ويذرون ﴿وَأَصْلَحَ﴾ ما يحتاج إلى الإصلاح من أمورهم وسرْفيهم السيرة الصالحة التي لا فساد فيها وثبتهم على ما أخلفهم عليه من الإيمان وإخلاص العبادة.
﴿وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ أي : ولا تتبع من سألك الإفساد ولا تطع من دعاك إليه وذلك أن موسى عليه السلام كان يشاهد كثرة خلافهم حالاً بعد حال فأوصاه في أمرهم.
فإن قيل : إن هارون كان شريك موسى في النبوة قال تعالى خبراً عن موسى.
﴿وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى﴾ فكيف استخلفه.
قلنا المأموران بشيء لا ينفرد أحدهما بفعله إلا بأمر صاحبه، فلذلك قال : اخلفني ولأن موسى كان أصلاً فيها وهارون معيناً له قال موسى :﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِىَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِى﴾ (القصص : ٣٤) ولهذا كان هو المناجي على الخصوص والمعطى للألواح ولما أمر بالذهاب إلى فرعون سأل الله أن يشرك معه هارون ولما ذهب إلى الطور للمناجاة خلفه في قومه واستخلفه وهو موضع الاعتراض في الظاهر، ولكن لا اعتراض على الأكابر لأن حركاتهم الظاهرة إنما تنبعث من دواعي قلوبهم وتلك الدواعي إلهامات واردة من الله تعالى لاصنع لهم فيها فمن عرف دورانهم بأمر إلهي هان عليه التطبيق والتوفيق وسقط عنه الاعتراض على أصحاب التحقيق مع أن درجات الأنبياء متفاضلة، كما قال تعالى :﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (البقرة : ٢٥٣) فمن منع الرؤية عن موسى منع المناجاة عن هارون وكون هارون شريكه في الأمر الظاهر لا يقتضي أن يكون رديفه في الأمر الباطن فإن لكل مقام رجالاً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٧
رموز مصلحت ملك خسروان دانند
كداى كوشه نشيني توحافظا مخروش
أنظر إن موسى عليه السلام استخلف هارون واعتمد عليه في حفظ قومه فعبدوا العجل
٢٢٨
في العشر الذي زيد على الثلاثين ورسولنا صلى الله عليه وسلّم قال الله خليفتي على أمتي فثبتهم الله على الحق.


الصفحة التالية
Icon