قال حضرة الشيخ الكبير صدر الدين القنوي في فك ختم الفص الداودي : من شأن الكمل أن كل ما هو متعذر الحصول لأحد من الخلق هو عندهم وبالنسبة إلى كمال قابليتهم غير متعذر ولا يستحيل إلا أن يخبرهم الحق بأخبار مخصوص خارج من خواص المواد والوسائط فحينئذٍ يصدقون ربهم ويحكمون باستحالته
٢٣١
وحصول ذلك كحال موسى في طلب الرؤية على وجه مخصوص فلما أخبر بتعذر ذلك تاب وآمن انتهى.
﴿قَالَ﴾ الله تعالى وهو استئناف بياني ﴿لَن تَرَانِى﴾ لم يقل لن تنظر إليّ كقوله أنظر إليك لأن المطلوب هي الرؤية التي معها إدراك لا النظر الذي هو عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي لأنه قد تخلف عنه الإدراك في بعض الصور.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٧
قال في "التفسير" :﴿لَن تَرَانِى﴾ (نتوانى ديد مرا در دنيا ه حكم أزلي برآن وجه واقع شده كه هربشرى كه در دنيا بمن نظر كندبميرد) وفي المدارك ﴿لَن تَرَانِى﴾ بالسؤال بعين فانية بل بالعطاء والنوال بعين باقية (صاحب كشف الأسرار كويدكه مقام موسى دران ساعت كه خطاب لن تراني شنيد عالي بود ازان وقتكه كفت أرني زيرا اين سعت درعين مراد حق بود وآن وقت درعين مراد خود قائم بمراد حق بود كاملترست ارقيام بمراد خود).
لن تراني ميرسد ازطور موسى را جواب
هره آن ازدوست آيدسربنه كردن متاب
وهو دليل لنا أيضاً لأنه لم يقل لن أرى ليكون نفياً للجواز ولو لم يكن مرئياً لأخبر بأنه ليس بمرئي إذ الحالة حالة الحاجة إلى البيان فهو لا يدل على امتناع رؤيته في نفس الأمر بل يدل على قصور الطالب عن رؤيته لتوقف الرؤية على حصول ما يستعد به الطالب لرؤيته وعدم حصول ذلك المعد فيه بعد فإنه يجوز أن يبقى فيه حينئذٍ شيء من الحجاب المانع لرؤيته إياه لم يرتفع ذلك الحجاب بعد.
يقول الفقير : هذا ما عليه أكثر أهل التفسير وهو ليس بمرضي عندي لأن إتيان الطور لم يكن في أوائل حاله عليه السلام بل كان ذلك نظير المعراج المحمدي بالنسبة إلى مرتبته والتحقيق بعيد عن درك أهل التقليد.
وقد سألت حضرة شيخي العلامة أبقاه الله بالسلامة عن قولهم في قوله تعالى :﴿لَن تَرَانِى﴾ أي : ببشريتك ووجودك فقال إن البشرية تنافي الرؤية وموسى عليه السلام إنما سأل الرؤية بالنسبة إلى ظاهر البشرية والوجود الكوني وهي لا تمكن أبداً بل لو تعلقت الرؤية بذات الله تعالى لتعلقت حالة الفناء في الله واضمحلال حال البشرية، فقلت يرد عليه ما وقع ليلة المعراج من الرؤية بعين الرأس، فقال : إنه حبيب الله رأى ربه في تلك الليلة بالسر والروح في صورة الجسم ولا جسم هناك لأنه تجاوز في سيره عن عالم الأجسام كلها بل عن عالم الأرواح حتى وصل إلى عالم الأمر.
فقلت : يرد عليه أن الأنبياء والأولياء مشتركون في الرؤية بالبصيرة حالة الفناء الكلي فلا فرق بين موسى ومحمد عليهما السلام، فأي فائدة في قوله :﴿لَن تَرَانِى﴾ وأيضاً في عروجه عليه السلام إلى ما فوق العرش فإن تلك الرؤية إنما تحصل في مقام العينية الجمعية القلبية لا في مقام الغيرية الفرقية القالبية فقال إن أمر الرؤية وإن كان محتاجاً إلى الانسلاخ التام عن الأكوان مطلقاً إلا أن الانسلاخ بالقلب والقالب مختص بنبينا عليه السلام فإن موسى وكذا غيره من الأنبياء عليهم السلام إنما يرون بالانسلاخ حين كون قوالبهم في عالم العناصر.
وأما محمد صلى الله عليه وسلّم فقد تجاوز عن عالم العناصر ثم عن عالم الطبيعة وذلك بالقلب والقالب جميعاً فأنى يكون هذا لغيره فافهم جداً انتهى ما جرى بيني وبين حضرة الشيخ من السؤال والجواب وما تحاورناه في المجلس الخاص المفتوح بابه للأحباب لا للأغيار وأهل الإنكار والارتياب وقد كان ذلك كالقطرة من البحر الزاخر بالنسبة إلى ما يحويه قلبه الحاضر قدس الله
٢٣٢
سره ورزقني وجميع الأحباب شفاعته.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٧