قال الشيخ عمر بن الفارض في القصيدة الموسومة بنظم الدر :
إرذهام شوقاً بالنماغى وهمّ ان
يطير إلى أوطانه الأولية
يسكن بالتحريك وهو بمهده
إذا ناله أيدي المربى بهزة قال الإمام القاشاني في "شرحه" : إذا هام الولي واضطرب شوقاً إلى مركزه الأصلي ووطنه الأولي بسبب مناغاة المناغي وهم طائر روحه إلى أن يطير إلى عشه ووكره الأولي تهزه أيدي من يربيه في المهد فيسكن بسبب التحريك من قلقه وهمه بالطيران والمقصود من إيراد هذا المعنى أن يشير إلى فائدة الرقص والحركة في السماع وذلك أن روح السامع يهم عند السماع أن يرجع إلى وطنه المألوف ويفارق النفس والقالب فتحركه يد الحال وتسكنه عما يهم به بسبب التحريك إلى حلول الأجل المعلوم وذلك تقدير العزيز العليم انتهى.
قال السعدي قدس سره :
مكن عيب درويش مدهوش ومست
كه غرقست ازآن مى زند اودست
نكويم سماع اى برادر كه يست
مكر مستمع را بدانم كه كيست
كر از برج معنى رد طير او
فرشته فروماند از سير او
اكر مرد بازى ولهوست ولاغ
قوى تر شود ديوش اندر دماغ
ه مرد سماعست شهوت رست
بآواز خوش خفته خيزد نه مست
قال السروري :(ون سماع آواز خوش سبب حركت شد حركت را سماع كفتند) بطريق تسمية المسبب باسم السبب (وون كسى آوازى خوش شنود در وحالتي يداشود اين حالت را وجد كويند)، وفي المثنوى :
س غداى عاشقان آمد سماع
كه دراو باشد خيال واجتماع
قوتي كيرد خيالات ضمير
بلكه صورت كردد ازبانك صفير
واعلم : أن الرقص والسماع حال المتلون لا حال المتمكن ولذا تاب سيد الطائفة الجنيد البغدادي قدس سره عن السماع في زمانه فمن الناس من هو متواجد ومنهم من هو أهل وجد ومنهم من هو أهل وجود.
فالأول : المبتدىء الذي له انجذاب ضعيف، والثاني : المتوسط الذي له انجذاب قوي، والثالث :
٢٤٣
المنتهي الذي له انجذاب قوي وهو مستغن عن الدوران الصوري بالدوران المعنوي بخلاف الأولين ولا بد من العشق في القلب والصدق في الحركة حتى يصح الدوران والعلماء وإن اختلفوا في ذلك فمن مثبت ومن ناف لكن الناس متفاوتون والجواز للأهل المستجمع لشرائطه لا لغيره.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤١
قال حضرة الشيخ أفتاده أفندي قدس سره : ليس في طريقتنا رقص ولا في طريق الشيخ الحاج بيرام ولي أيضاً لأن الرقص والأصوات كلها إنما وضع لدفع الخواطر ولا شيء في دفعها أشد تأثيراً من التوحيد ونبينا عليه الصلاة والسلام لم يلقن إلا التوحيد.
ذكر أن علياً قال يوماً لا أجد لذة العبادة يا رسول الله فلقنه التوحيد ووصاه أن لا يكلم أحداً بما ظهر له من آثار التوحيد فلما امتلأ باطنه من أنوار التوحيد واضطر إلى التكلم جاء إلى بئر فتكلم فيها فنبت منها قصب فأخذه راع وعمل منه المزمار وكان ذلك مبدأ لعلم الموسيقا وقال وقد يقال أن رجلاً يقال له عبد المؤمن سمع صوت الأفلاك في دورها فأخذ منه العلم الموسيقا ولذلك كان أصله اثني عشر على عدد البروج ولكن صداها على طرز واحد فالإنسان لقابليته ألحق به زيادات كذا في "الواقعات المحمودية" فقد عرفت من هذا البيان أنه ليس في الطريقة الجلوتية بالجيم دور ورقص بل توحيد وذكر قياماً وقعوداً بشرائط وآداب وإنما يفعله الخلوتية بالخاء المعجمة ما يتوارثون من أكابر أهل الله تعالى لكن إنما يقبل منهم ويمدح إذا قارن شرائطه وآدابه كما سبق وإلا يرد ويذم وقد وجدنا في زماننا أكثر المجالس الدورية على خلاف موضوعها فالعاقل يختار الطريق الأسلم ويجتنب عن القيل والقال وينظر إلى قولهم لكل زمان رجال ولكل رجال مقام وحال.
قال الشيخ أبو العباس : من كان من فقراء هذا الزمان آكلاً لأموال الظلمة مؤثراً للسماع ففيه نزغة يهودية قال الله تعالى :﴿سَمَّـاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّـالُونَ لِلسُّحْتِ﴾.
وقال الحاتمي : السماع في هذا الزمان لا يقول به مسلم ولا يفتدى بشيخ يعمل السماع وقد عرفت وشاهدت في هذا الزمان أن المجالس الدورية يحضرها المردان أن الملاح والنساء وحضورهم آفة عظيمة فإنهم والاختلاط بهم والصحبة معهم كالسم القاتل ولا شيء أسرع إهلاكاً للمرء في دينه من صحبتهم فإنهم حبائل الشيطان ونعوذ بالله من المكر بعد الكرم ومن الحور بعد الكور إنه هو الهادي إلى طريق وصاله وكاشف القناء عن ذاته وجماله والمواصل إلى كماله بعد جماله وجلاله وهو الصاحب والرفيق في كل طريق.
﴿أَلَمْ يَرَوْا﴾ (آيانديدند وندانستند) ﴿أَنَّهُ﴾ أي : العجل ﴿لا يُكَلِّمُهُمْ﴾ أي : ليس فيه شيء من أحكام الألوهية حيث لا يقدر على كلام ولا أمر ولا نهي ﴿وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا﴾ أي ولا يرشدهم طريقاً إلى خير ليأتوه ولا إلى شر لينتهوا عنه.
﴿اتَّخَذُوهُ﴾ إلهاً ولو كان إلهاً لكلمهم وهداهم لأن الإله لا يهمل عباده قوله اتخذوه تكرير للذم، أي اتخذوه إلهاً وحسبوا أنه خالق الأجسام والقوى والقدر ﴿وَكَانُوا ظَـالِمِينَ﴾ أي : واضعين الأشياء في غير موضعها فلم يكن اتخاذ العجل بدعاً منهم.