﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾ أي : إلهاً واستمروا على عبادته كالسامري وأشياعه من الذين أشربوه في قلوبهم ﴿سَيَنَالُهُمْ﴾ أي : في الآخرة ﴿غَضَبَ﴾ عظيم كائن ﴿مِّن رَّبِّهِمُ﴾ أي : مالكهم لما أن جريمتم أعظم الجرائم وأقبح الجرائر والمراد بالغضب ههنا غايته وهي الانتقام والتعذيب لأن حقيقة الغضب لا تتصور في حقه تعالى ﴿وَذِلَّةٌ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ هي ذلة الاغتراب والمسكنة المنتظمة لهم ولأولادهم والذلة التي اختص بها السامري من الانفراد بالناس والابتلاء بلا مساس كما روي أن موسى عليه السلام هم بقتل السامري، فأوحى الله إليه لا تقتل السامري فإنه سخى ولكن أخرجه من عندك فقال له موسى فاذهب من بيننا مطروداً فإن لك في الحياة أي في عمرك أن تقول لمن أراد مخالطتك جاهلاً بحالك لا مساس أي لا يمسني أحد ولا أمس أحداً وإن مسه أحدهما جميعاً في الوقت وروي أن ذلك موجود في أولاده إلى الآن وإيراد ما نالهم في حيز السين مع مضيه بطريق تغليب حال الأخلاف على حال الأسلاف.
﴿وَكَذَالِكَ نَجْزِى الْمُفْتَرِينَ﴾ على الله ولا فرية أعظم من فريتهم هذا إلهكم وإله موسى ولعله لم يفتر مثلها أحد قبلهم ولا بعدهم.
﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّـاَاتِ﴾ أية سيئة كانت ﴿ثُمَّ تَابُوا﴾ من تلك السيئات.
﴿مِنا بَعْدِهَا﴾ أي : من بعد عملها.
﴿وَءَامَنُوا﴾ إيماناً صحيحاً خالصاً واشتغلوا بما هو من مقتضياته من الأعمال الصالحة ولم يصروا على ما فعلوا كالطائفة الأولى.
﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنا بَعْدِهَا﴾ أي : من بعد تلك التوبة
٢٤٧
المقرونة بالإيمان ﴿لَغَفُورٌ﴾ للذنوب وإن عظمت وكثرت ﴿رَّحِيمٌ﴾ مبالغ في إفاضة فنون الرحمة الدنيوية والأخروية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٥
والإشارة :﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾ عجل الهوى إلهاً يدل عليه قوله :﴿أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـاهَه هَوَاـاهُ﴾ (الجاثية : ٢٣) ﴿سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ يعني عبادة الهوى موجبة لغضب الله تعالى دل عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام :"ما عبد في الأرض إله أبغض على الله من الهوى" وإن عابد الهوى يكون ذليل شهوات النفس وأسير صفاتها الذميمة من الحيوانية والسبعية والشيطانية ما دام يميل إلى الحياة الدنيوية.
﴿وَكَذَالِكَ نَجْزِى الْمُفْتَرِينَ﴾ يعني : وكذلك نجازي بالغضب والطرد والإبعاد والذلة عباد الهوى المدعين الذين يفترون على الله أنه أعطانا قوة لا تضر بنا عبادة الهوى والدنيا ومتابعة النفس وشهواتها ﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّـاَاتِ﴾ يعني : سيئات عبادة الهوى والدنيا والافتراء على الله تعالى.
﴿ثُمَّ تَابُوا مِنا بَعْدِهَا وَءَامَنُوا﴾ بعبودية الحق تعالى وطلبه بالصدق.
﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنا بَعْدِهَا﴾ أي : من بعد ترك عبادة الهوى والرجوع إلى طلب الحق ﴿لَغَفُورٌ رَّحِيمُ﴾ يعني يعفو عنهم تلك السيئات ويرحمهم بنيل القربات والكرامات كذا في "التأويلات النجمية".
واعلم : أن التوبة عند المعتزلة علة موجبة للمغفرة وعندنا سبب محض للمغفرة والتوبة الرجوع فإذا وصف بها العبد كان المراد بها الرجوع عن المعصية وإذا وصف بها الباري تعالى أريد بها الرجوع عن العذاب بالمغفرة.
والتوبة على ضربين : ظاهر وباطن.
فالظاهر : هو التوبة من الذنوب الظاهرة وهي مخالفات ظواهر الشرع وتوبتها ترك المخالفات واستعمال الجوارح بالطاعات، والباطن : هو توبة القلب من ذنوب الباطن وهي الغفلة عن الذكر حتى يتصف به بحيث لو صمت لسانه لم يصمت قلبه وتوبة النفس قطع علائق الدنيا والأخذ باليسير والتعفف، وتوبة العقل التفكر في بواطن الآيات وآثار المصنوعات، وتوبة الروح التحلي بالمعارف الإلهية، وتوبة السر التوجه إلى الحضرة العليا بعد الإعراض عن الدنيا والعقبى.
قال حضرة جلال الدين الرومي قدس سره :
كرسيه كردى تونامه عمر خويش
توبه كن زانها كه كردستى تويشعمر اكر بكذشت بيخش اين دم است
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٥
آب توبش ده اكرا وبى نم است
ون برآرند از بشيماني انين
عرش برزد از انين المذنبين والعبد إذا رجع عن السيئة وأصلح عمله أصلح الله تعالى شأنه وأعاد عليه نعمه الفائتة.
عن إبراهيم بن أدهم : بلغني أن رجلاً من بني إسرائيل ذبح عجلاً بين يدي أمه فيبست يده فبينما هو جالس إذ سقط فرخ من وكره وهو يتبصبص فأخذه ورده إلى وكره فرحمه الله تعالى لذلك ورد عليه يده بما صنع فينبغي للمؤمن أن يسارع إلى التوبة والعمل الصالح فإن الحسنات يذهبن السيئات.