﴿وَاكْتُبْ لَنَا﴾ أي : أثبت وعين لنا وذكر الكتابة لأنها أدوم.
﴿فِى هَـاذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ حسن معيشة وتوفيق طاعة.
﴿وَفِي الاخِرَةِ﴾ أي : واكتب لنا فيها أيضاً حسنة وهي المثوبة الحسنى أو الجنة.
﴿إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ﴾ تعليل لطلب الغفران والرحمة من هاد يهود إذا رجع، أي تبنا ورجعنا إليك عما صنعنا من المعصية العظيمة التي جئناك للاعتذار عنها وعما وقع ههنا من طلب الرؤية فبعيد من لطفك وفضلك أن لا تقبل توبة التائبين.
قيل : لما أخذتهم الرجفة ماتوا جميعاً فأخذ موسى عليه السلام يتضرع إلى الله حتى أحياهم وقد تقدم في سورة البقرة.
﴿قَالَ﴾ استئناف بياني، كأنه قيل فماذا قال الله تعالى عند دعاء موسى عليه السلام فقيل قال :﴿عَذَابِى﴾ (عذاب من وصفت إو آنست كه) ﴿أُصِيبُ بِهِ﴾ الباء للتعدية معناه بالفارسية (ميرسانم) ﴿مَنْ أَشَآءُ﴾ تعذيبه من غير دخل لغيري فيه.
﴿وَرَحْمَتِى﴾ (ورحمت من وصفت أو آنست كه) ﴿وَسِعْتَ﴾ في الدنيا معناه (رسيده است) ﴿كُلِّ شَىْءٍ﴾ المؤمن والكافر بل المكلف وغيره من كل ما يدخل تحت الشيئية وما من مسلم ولا كافر إلا وعليه آثار رحمته ونعمته في الدنيا فبها يتعيشون وبها ينقلبون ولكنها تختص في الآخرة بالمؤمنين، كما قال تعالى :﴿فَسَأَكْتُبُهَا﴾ أي : أثبتها وأعينها في الآخرة.
﴿لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الكفر والمعاصي.
﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَواةَ﴾ خصها بالذكر لأنها كانت أشق عليهم ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِى﴾ جميعاً ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ إيماناً مستمراً فلا يكفرون بشيء منها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥١
قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما أنزلت هذه الآية تطاول لها إبليس فقال : أنا شيء من الأشياء فأخرجه الله تعالى من ذلك بقوله :﴿فَسَأَكْتُبُهَا﴾ إلخ فقالت اليهود والنصارى نحن نتقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات ربنا فأخرجهم الله تعالى منها بقوله :
﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ﴾ في محل الجر على أنه صفة للذين يتقون أو بدل منه يعني : محمداً صلى الله عليه وسلّم الذي نوحي إليه كتاباً مختصاً به ﴿النَّبِىُّ﴾ أي : صاحب المعجزة.
وقال البيضاوي : إنما سماه رسولاً بالإضافة إلى الله ونبياً بالإضافة إلى العباد.
﴿الامِّىِّ﴾ الذي لا يكتب ولا يقرأ، وكونه عليه السلام أمياً من جملة معجزاته فإنه عليه السلام لو كان يحسن الخط والقراءة لصار متهماً بأنه ربما طالع في كتب الأولين والآخرين، فحصل هذه العلوم بتلك المطالعة فلما أتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على علوم الأولين والآخرين من غير تعلم ومطالعة كان ذلك من جملة معجزاته الباهرة.
نكار من كه بمكتب نرفت وخط ننوشت
بغمزه مسأله آموز صد مدرس شد
من كان القلم الأعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره لا يحتاج إلى تصوير الرسوم.
وقد وصف الله تعالى هذه الأمة في الإنجيل أمة محمد أناجيلهم في صدورهم، ولو لم يكن رسم الخطوط لكانوا يحفظون شرائعه صلى الله عليه وسلّم بقلوبهم لكمال قوتهم وظهور استعداداتهم.
والأم :
٢٥١
الأصل وعنده أم الكتاب ﴿الَّذِى يَجِدُونَه مَكْتُوبًا﴾ باسمه وصفته ﴿عِندَهُمُ﴾ متعلق بيجدون أو بمكتوباً وكذا قوله ﴿فِى التَّوْرَاـاةِ وَالانجِيلِ﴾ الذين تعبد بهما بنو إسرائيل سابقاً ولاحقاً.
وفي "المثنوي" :
يش ازانكه نقشأحمد رونمود
نعت اوهر كبررا تعويذ بود
سجده مى كردند كارى رب بشر
درعيان آريش هره زودتر
نقش اومى كشت اندر راهشان
دردل ودر كوش درافواه شان
اين همه تعظيم وتفخيم ووداد
ون بديدندش بصورت بردباد
قلب آتش ديددردم شد سياه
قلب را در قلب كي بودست راه
فإن قيل : الرحمة المذكورة لو اختصت بهم لزم أن لا تثبت لغيرهم من المؤمنين وليس كذلك.
أجيب : بأن هذا الاختصاص بالإضافة إلى بني إسرائيل الموجودين في زمان النبي الأمي ولم يؤمنوا به لا بالإضافة إلى جميع ما عداهم.
﴿يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي : بالتوحيد وشرائع الإسلام.
﴿وَيَنْهَـاـاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ أي : عن كل ما لا يعرف في شريعة ولا سنة.
﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَـاتِ﴾ التي حرمت عليهم بشؤم ظلمهم كالشحوم.
﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَـائِثَ﴾ كالدم ولحم الخنزير، فالمراد بالطيبات : ما يستطيبه الطبع ويستلذه، وبالخبائث ما يستخبثه الطبع ويتنفر منه، فتكون الآية دليلاً على أن الأصل في كل ما يستطيبه الطبع الحل وكل ما يستخبثه الطبع الحرمة إلا لدليل منفصل، ويجوز أن يراد بهما ما طاب في حكم الشرع، وما خبث كالربا والرشوة ومدلول الآية حينئذٍ أن ما يحكم الشرع بحله فهو حلال وما يحكم بحرمته فهو حرام ولا حكم لاستطابة الطبع واستخباثه فيهما.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥١