﴿الْحَمْدُ﴾ الألف واللام في الحمد لاستغراق الجنس واللام فيللاختصاص لأنه تعالى قال :﴿بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ ودفع تسويتهم بربهم مما جعل مقصوداً بالذات.
وفي "التأويلات النجمية" : اللام لام التمليك، يعني : كل حمد يحمده أهل السموات والأرض في الدنيا والآخرة ملك له وهو الذي أعطاهم استعداد الحمد ليحمدوه بآثار قدرته على قدر استعدادهم واستطاعتهم لكنّ حمدَ الخلق له مخلوق فاننٍ وحمده لنفسه قديم باققٍ.
فإن قيل : أليس شكر
المنعم واجباً مثل شكر الأستاذ على تعليمه وشكر السلطان على عدله وشكر المحسن على إحسانه قال عليه السلام :"من لم يشكر الناس لم يشكر الله"، فالجواب أن الحمد والتعظيم المتعلق بالعبد المنعم نظراً إلى وصول النعمة من قبله وهو في الحقيقة راجع إليه تعالى ؛ لأنه تعالى لو لم يخلق نفس تلك النعمة ولم لم يحدث داعية الإحسان في قلب العبد المحسن لما قدر ذلك العبد على الإحسان والإنعام فلا محسن في الحقيقة إلا الله ولا مستحق للحمد إلا هو تعالى.
وفي تعليق الحمد باسم الذات المستجمع لجميع الصفات إشارة إلى أنه المستحق له بذاته سواء حمده حامد أو لم يحمده.
قال البغوي : حمد الله نفسه تعليماً لعباده أي احمدوه : وفي "المثنوي".
ونكه آن خلاق شكر وحمد جوست
آدمى را مدح جويي نيز خوست
خاصه مرد حق كه در فضلست ست
رشود زان بادون خيك درست
ورنباشد أهل زان باد دروغ
خيك بدريد است كي كيرد فروغ
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢
﴿الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ﴾ بما فيها من الشمس والقمر والنجوم ﴿وَالارْضِ﴾ بما فيها من البر والبحر والسهل والجبل والنبات والشجر خلق السموات، وما فيها في يومين يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الأرض وما فيها في يومين يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، وفي تعليق : الحمد بالخلق تنبيه على استحقاقه تعالى باعتبار أفعاله وآلائه أيضاً وتخصيص خلق السموات والأرض بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد وفيهما العبرة والمنافع لهم وجمع السموات دون الأرض وهي مثلهن ؛ لأن طبقاتها مختلفة بالذات متفاوتة الآثار والحركات قالوا ما بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام.
السماء الدنيا موج مكفوف، أي : متصادم بعضه على بعض يمنع بعضه بعضاً أي ممنوع من السيلان، والثانية مرمرة بيضاء، والثالثة حديدة، والرابعة نحاس أو صفر، والخامسة فضة، والسادسة ذهب، والسابعة ياقوتة حمراء وأما الأرض فهي تراب لا غير.
والأكثرون على تفضيل الأرض على السماء ؛ لأن الأنبياء خلقوا من الأرض وعبدوا فيها ودفنوا فيها، وإن الأرض دار الخلافة ومزرعة الآخرة، وأفضل البقاع على وجه الأرض البقعة التي ضمت جسم الحبيب صلى الله عليه وسلّم في المدينة المنورة لأن الجزء الأصلي من التراب محل قبره صلى الله عليه وسلّم ثم بقعة الحرم المكي، ثم بيت المقدس والشام منه، ثم الكوفة وهي حرم رابع وبغداد منه ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَـاتِ وَالنُّورَ﴾ الجعل : هو الإنشاء والإبداء كالخلق خلا أن ذلك مختص بالإنشاء التكويني وفيه معنى التقدير والتسوية وهذا عام له كما في الآية الكريمة وللتشريعي أيضاً كما في قوله :﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنا بَحِيرَةٍ﴾ الآية، أي : ما شرع وما سن وجمع الظلمات لكثرة أسبابها فإن سببها تخلل الجرم الكثيف بين النير والمحل المظلم وذلك التخلل يتكثر بتكثر الأجرام المتخللة بخلاف النور فإن سببه ليس إلا النار حتى أن الكواكب منيرة بناريتها فهي أجرام نارية وإن الشهب منفصلة من نار الكوكب.
قال الحدادي : وإنما جمع الظلمات ووحد النور لأن النور يتعدى والظلمة لا تتعدى ـ ـ روي ـ ـ أن هذه الآية نزلت تكذيباً للمجوس في قولهم : الله خالق النور والشيطان خالق الظلمات.
وفي "التيسير" : إنه رد على الثنوية في إضافتهم خلق النور إلى يزدان وخلق الظلمات إلى اهرمن وعلى ذلك خلق كل خير
وشر ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ عطف على الجملة السابقة، وثم لاستبعاد الشرك بعد وضوح ما ذكر من الآيات التكوينية ببطلانه.
والباء متعلقة بيعدلون وقدم المعمول على العامل للاهتمام وتحقيق الاستبعاد ويعدلون من العدل وهو التسوية يقال عدلت هذا بهذا إذا ساويته والمعنى إنه تعالى مختص باستحقاق الحمد والعبادة باعتبار ما فصل من شؤونه العظيمة الخاصة به الموجبة لقصر الحمد والعبادة عليه ثم هؤلاء الكفرة لا يعملون بموجبه ويعدلون به سبحانه، أي : يسوون به غيره في العبادة التي هي أقصى غايات الشكر الذي رأسه الحمد مع كون كل ما سواه مخلوقاً له غير متصف بشيء من مبادىء الحمد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢