﴿أولئك هُمُ الْغَـافِلُونَ﴾ عن أمر الآخرة وما أعد فيها للعصاة، وفي الإنسان جهة روحانية وجهة جسمانية وقد ركب فيه عقل وشهوة، فإن كان عقله غالباً على هواه كان أفضل من الملائكة وإن كان مغلوباً للنفس والهوى كان أخس وأرذل من البهائم.
كما قيل في هذا المعنى :
بهره از ملكت هست ونصيبي ازديو
ترك ديويى كن وبكذر بفضيلت زملك
واعلم : أن الله تعالى خلق الخلق أطواراً، فخلق طوراً : منها للقرب والمحبة وهم أهل الله وخاصته إظهاراً للحسن والجمال وكانوا به يسمعون كلامه وبه يبصرون جماله وبه يعرفون كماله، وخلق طوراً منها : للجنة ونعميها إظهاراً للطف والرحمة فجعل لهم قلوباً يفقهون بها دلائل التوحيد والمعرفة وأعيناً يبصرون بها آيات الحق، وخلق طوراً منها للنار وجحيمها وهم أهل النار إظهاراً للقهر والعزة أولئك كالأنعام لا يحبون الله ولا يطلبونه بل هم أضل لأنه لم يكن للأنعام
٢٨١
استعداد المعرفة والطلب وإنهم كانوا مستعدين للمعرفة والطلب فأبطلوا الاستعداد الفطري للمعرفة والطلب بالركون إلى شهوات الدنيا وزينتها واتباع الهوى فباعوا الآخرة بالأولى والدين بالدنيا وتركوا طلب المولى فصاروا أضل من الأنعام لإفساد الاستعداد أولئك هم الغافلون عن الله وكمالات أهل المعرفة وعزتهم كما قال في "التأويلات النجمية" قدس الله سره.
﴿وَلِلَّهِ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى﴾ تأنيث الأحسن أي الأسماء التي هي أحسن الأسماء وأجلها لأنها دالة على معاني هي أحسن المعاني وأشرفها والمراد بها الألفاظ الدالة الموضوعة على المعاني المختلفة دل على أن الاسم غير المسمى ولو كان هو المسمى لكان المسمى عدد الأسماء وهو محال.
قال الإمام الغزالي : الحق أن الاسم غير التسمية وغير المسمى فإن هذه ثلاثة أسماء متباينة غير مترادفة ﴿فَادْعُوا وَمَا دُعَاؤُا الْكَـافِرِينَ إِلا فِى ضَلَـالٍ﴾ فسموه بتلك الأسماء واذكروه بها وفي الحديث :"إنتسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة"، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارىء، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصى، المبدىء، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك، الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغنى، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور".
واستحسن المشايخ المتقدمون أن يبدأ أولاً ويقول اللهم إني أسألك يا رحمن يا رحيم إلى آخره فيجيء بجميع الأسماء بحرف النداء ثم يقول في آخر الكل أن تصلي على محمد وآله وأن ترزقني.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٠
وجميع من يتعلق بي بتمام نعمك ودوام عافيتك يا أرحم الراحمين كما في "الأسرار المحمدية" قال عبد الرحمن البسطامي في "ترويح القلوب" : إن العارفين يلاحظون في الأسماء آلة التعريف وأصل الكلمة.
والملامية يطرحون منها آلة التعريف لأنها زائدة على أصل الكلمة ومن السر المكنون في الدعاء أن تأخذ حروف الأسماء التي تذكر بها مثل قولك الكبير المتعال ولا تأخذ الألف واللام، بل تأخذ كبير متعال وتنظر كم لها من الأعداد بالجمل الكبير فتذكر ذلك العدد في موضع خال من الأصوات بالشرائط المعتبرة عند أهل الخلوات لا تزيد على العدد ولا تنقص منه، فإنه يستجلب لك للوقت وهو الكبريت الأحمر بإذن الله تعالى فإن الزيادة على العدد المطلوب إسراف والنقص منه إخلال والعدد في الذكر بالأسماء كأسنان المفتاح لأنها إن زادت أو نقصت لا تفتح باب الإجابة البتة فافهم السر وحسن الدر.
واعلم : أنه لما كانت المقامات الدنية ثلاثة، مقام الإسلام ومقام الإيمان، ومقام الإحسان، ومراتب الجنان
٢٨٢


الصفحة التالية
Icon