أهلها.
﴿وَالرَّسُولِ﴾ بترك السنة والقيام بالبدعة.
﴿وَتَخُونُوا أَمَـانَـاتِكُمْ﴾ فالأمانة هي محبة الله وخيانتها تبديلها بمحبة المخلوقات يشير إلى أن أرباب القلوب وأصحاب السلوك إذا بلغوا إلى أعلى مراتب الطاعات والقربات، ثم التفتوا إلى شيء من الدنيا وزينتها وخانوا الله بنوع من التصنع وخانوا الرسول بالتبدع وترك التتبع بتعدي الخيانة وآفاتها إلى الأمانة التي هي المحبة فتسلب منهم بالتدريج فيكون لهم ركونهم إلى الدنيا وسكونهم إلى جمع الأموال حرصاً على الأولاد.
﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنكم تبيعون الدين بالدنيا والمولى بالأولى.
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَـادُكُمْ﴾ التي تعرضون عن الله لها ﴿فِتْنَةٌ﴾ يختبركم الله بها لكي يتميز الموافق من المنافق والصديق من الزنديق فمن أعرض عن الدنيا وما فيها صدق في طلب المولى ﴿وَأَنَّ اللَّهَ عِندَه أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ فمن ترك ما عنده في طلب ما عند الله يجده عنده أو أن الله عنده أجر عظيم والعظيم هو الله في الحقيقة فيجد الله تعالى كذا في "التأويلات النجمية" :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٤
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ} أي : في كل ما تأتون وتذرون.
﴿يَجْعَل لَّكُمْ﴾ بسبب ذلك ﴿فُرْقَانًا﴾ هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل أو نصراً يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين كما قال تعالى :﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ (الأنفال : ٤١) وأراد به يوم عز المؤمنين وخذلان الكافرين.
﴿وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ أي : يسترها والفرق بين السيئة والخطيئة أن السيئة قد تقال فيما يقصد بالذات والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لأنها من الخطأ.
﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ بالعفو والتجاوز عنها.
﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ أي : عظيم الفضل على عباده وهو تعليل لما قبله وتنبيه على أن وعد الله لهم على التقوى تفضل وإحسان لا أنه مما توجب التقوى كما إذا وعد السيد عبده إتماماً على عمل.
وفي الآية أمور :
الأول : التقوى وهو في مرتبة الشريعة ما أشير إليه بقوله تعالى :﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (التغابن : ١٦) وفي مرتبة الحقيقة ما أشير إليه بقوله تعالى :﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ (آل عمران : ١٠٢) (متقى آنست كه حق سبحانه وتعالى را وقايه خود كرفته باشد در ذات وصفات وأفعال فعل أو در أفعال حق فإني شده باشد وصفت اودر صفات حق مستهلك كشته)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٧
كم شده ون سايه نور آفتاب
يا و بوى كل در أجزاي كلاب
قال ابن المبارك : سألت الثوري من الناس؟ فقال العلماء، قلت : من الأشراف؟ قال : المتقون، قلت من الملوك؟ قال : الزهاد : قلت : من الغوغاء؟ قال القصاص، الذين يستأكلون أموال الناس بالكلام قلت من السفلة قال الظلمة.
الثاني : أن التقوى أسندت إلى المخاطبين وجعل الفرقان إلى الله تعالى فالله تعالى إذا أراد بالعبد خيراً اصطفاه لنفسه وجعل في قلبه سراجاً من نور قدسه يفرق به بين الحق والباطل والوجود والعدم والحدوث والقدم ويتبصر به عيوب نفسه كما حكي عن أحمد بن عبد الله المقدسي قال صحبت إبراهيم بن أدهم فسألته عن بداية أمره وما كان سبب انتقاله من الملك الفاني إلى الملك الباقي فقال لي يا أخي كنت جالساً يوماً في أعلى قصر ملكي والخواص قيام على رأسي فأشرفت من الطاق فرأيت رجلاً من الفقراء جالساً بفناء القصر وبيده رغيف يابس فبله بالماء وأكله بالملح الجريش وأنا أنظر إليه إلى أن فرغ من أكله ثم شرب شيئاً من الماء وحمد الله تعالى وأثنى عليه ونام في فناء القصر فألهمني الله سبحانه وتعالى
٣٣٧
الفكر فيه فقلت لبعض مماليكي إذا قام ذلك الفقير فائتني به فلما استيقظ من نومه قال له الغلام يا فقير إن صاحب هذا القصر يريد أن يكلمك قال بسم الله وبالله وتوكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقام معه ودخل علي فلما نظر إليّ سلم عليّ فرددت عليه السلام وأمرته بالجلوس فجلس فلما اطمأن قلت له يا فقير أكلت الرغيف وأنت جائع فشبعت قال نعم قلت وشربت الماء على شهوة فرويت قال نعم قلت ثم نمت طيباً بلا هم وغم فاسترحت قال نعم فقلت في نفسي وأنا أعاتبها يا نفس ما أصنع بالدنيا والنفس تقنع بما رأيت وسمعت فعقدت التوبة مع الله تعالى فلما انصرم النهار وأقبل الليل لبست مسحاً من صوف وقلنسوة من صوف وخرجت حافياً سائحاً إلى الله تعالى وهذه إحدى الروايتين في بداية أمره.
والثالث : أن المغفرة فضل عظيم من الله تعالى فلا بد للمرء من حسن الظن بالله تعالى فإنها ليست بمقطوعة.
قيل : أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام :"إني أعلمك خمس كلمات هن عماد الدين ما لم تعلم أن قد زال ملكي فلا تترك طاعتي".
همه تحت وملكي ذيرد زوال
بجز ملك فرمانده لا يزال


الصفحة التالية
Icon