وسميت بذلك لأنها عدت ما في الوادي من ماء عن أن يتجاوز، أي : منعته والدنيا من دنا يدنو دنواً والقصوى من قصا المكان يقصو قصواً إذا بعد، والقياس القصيا بقلب الواو ياء كالدنيا إلا أن واوها بقيت على حالها كواو القود.
﴿وَالرَّكْبُ﴾ جمع راكب مثل صحب وصاحب، والراكب هو راكب البعير خاصة كما أن الفارس من على الفرس والمراد بالركب ههنا العير، أي : القافلة المقبلة المتوجهة من الشام أو قوادها وهم أبو سفيان وأصحابه وكانوا جميعاً على البعير.
﴿أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ أي : نازل في مكان أسفل من مكانكم وكانوا بقرب ساحل البحر بينهم وبين المسلمين ثلاثة أميال.
وأسفل، وإن كان منصوباً على الظرفية واقعاً موقع خبر المبتدأ إلا أنه في الحقيقة صفة لظرف مكان محذوف والجملة حال من الظرف قبله، وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وضعف حال المسلمين ولهذه الفائدة ذكر مراكز الفريقين فإن العدوة الدنيا كانت رخوة تسوخ فيها الأرجل ولا يمشي فيها إلا بتعب، ولم يكن فيها ماء بخلاف العدوة القصوى فورد النظم على هذا الوجه الدال على القوة والضعف ؛ ليتحققوا أن ما اتفق لهم من الفتح ليس إلا صنعاً من الله خارقاً للعادة فيزدادوا إيماناً وشكراً.
﴿وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ﴾ أنتم وهم القتال ثم علمتم حالكم وحالهم.
﴿اخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَـادِ﴾ (در وعده خودرا) هيبة منهم ويأساً من الظفر عليهم ﴿وَلَـاكِنَّ﴾ ما اختلفتم وما تخلفتم عن القتال بل جمع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد.
﴿لِّيَقْضِيَ اللَّهُ﴾ ليتم الله ﴿أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا﴾ حقيقياً بأن يفعل وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه جعل ما اقتضت الحكمة أن يفعل مفعولاً لقوة ما يستدعى أن يفعل ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنا بَيِّنَةٍ﴾ بدل من ليقضي.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٧
قال سعدي لبى المفتي : الظاهر والله أعلم أن عن هنا بمعنى بعد، كقوله تعالى :﴿عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَـادِمِينَ﴾ أي : يعيش من يعيش عن حجة شاهدها حتى يقوى يقينه ويكمل إيمانه، فإن وقعة بدر كانت من الآيات الواضحة الدالة على حقيقة الإسلام فمن كفر بعد مشاهدتها كان مكابراً معانداً عادلاً عن الحق الذي وضحت حقيته والمراد بمن هلك ومن حي المشارف للهلاك والحياة.
قال سعدى لبى : المراد هو الاستمرار على الحياة بعد وقعة بدر فيظهر صحة اعتبار معنى المشارفة في الحياة أيضاً.
﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي : بكفر من كفر وعقابه وإيمان من آمن وثوابه.
ولعل الجمع بين وصفي السميع والعليم لاشتمال كل واحد من الكفر والإيمان على القول والاعتقاد (نقلست كه حضرت يغمبر صلى الله عليه وسلّم دران شب كه روزش جنك بدر واقع شده بود در واقعه ديد لشكر قريش را درغايت قلت وذلت تأويل فرمودكه دوستان غالب ودشمنان مغلوب خواهند شد مؤمنان بعد از استماع اين رؤيا وتعبير آن بغايت مسرور وفرحان شدند وحق سبحانه وتعالى تذكار آن نعمت ميفرمايد وميكويد).
﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ﴾ أي : اذكر يا محمد وقت إراءة الله المشركين إياك.
﴿فِى مَنَامِكَ﴾ مصدر ميمي بمعنى النوم.
﴿قَلِيلا﴾ حال من المفعول الثاني، أي : حال كونهم قليلاً والإراءة بصرية
٣٤٩
تتعدى إلى اثنين ـ ـ روي عن مجاهد أنه قال : أرى الله تعالى كفار قريش لنبيه صلى الله عليه وسلّم في منامه قليلاً فأخبر بذلك أصحابه، فقالوا : رؤيا النبي حق والقوم قليل فكان ذلك سبباً لقوة قلوبهم ﴿وَلَوْ أَرَاـاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ﴾ أي لجبنتم وتأخرتم عن الصف.
قال الحدادي : الفشل هو الضعف مع الوجل ﴿وَلَتَنَـازَعْتُمْ فِى الامْرِ﴾ أي : أمر القتال وتفرقت آراؤكم بين الثبات والفرار، والتنازع أن يحاول كل واحد من الاثنين أن ينزع صاحبه مما هو عليه ﴿وَلَـاكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ﴾ أي : أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع.
﴿إِنَّه عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع ولذلك دبر ما دبر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٧