واستأذن عمر رضي الله عنه في العمرة، فأذن له عليه السلام وقال :"يا أخي لا تنسنا من دعائك" قال : ما أحب أن دعاني بقوله : ياأخي ما طلعت عليه الشمس وجاء :"أول من يصافحه الحق عز وجل عمر بن الخطاب وأول من يسلم عليه" وجاء "لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب" وجاء "إن الله تعالى أيدني بأربعة.
وزراء : اثنين من أهل السماء جبرائيل وميكائيل عليهما السلام واثنين من أهل الأرض أبي بكر وعمر رضي الله عنهما" فكانا بمنزلة الوزيرين من رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكان عليه الصلاة والسلام يشاورهما في الأمور كلها وفيهما نزل ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِى الامْرِ﴾ وجاء "إنه كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون" المحدث بفتح الدال المشددة وهو الذي يلقى في نفسه الشيء فيخبر به فراسة ويكون كما قال وكأنه حدثه الملا الأعلى وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء "فإنه إن كان في أمتي هذه فهو عمر بن الخطاب" لم يرد النبي عليه السلام بقوله : إن كان في أمتي التردد في ذلك فإن أمته أفضل الأمم فإذا وجد في غيرها محدثون ففيها أولى بل أراد به التأكيد لفضل عمر كما يقال إن يكن له صديق فهو فلان يريد بذلك اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي سائر الأصدقاء وقد قيل في فضيلة عمر.
له فضائل لا تخفى على أحد
إلا على أحد لا يعرف القمرا وجاء "إنه يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك" والفج طريق واسع.
وفيه دليل على علو درجة عمر رضي الله عنه حيث لا يقدر الشيطان أن يسلك طريقاً فيه عمر والطريق واسع فكيف يتصور أن يجري منه مجرى الدم كما يجرى في سائر الخلق.
وفيه تنبيه على صلابته في الدين واستمرار حاله على الحق المحض.
وكان نقش خاتم أبي بكر نعم القادر الله وكان نقش خاتم عمر كفى بالموت واعظاً يا عمر.
وكان نقش خاتم عثمان آمنت بالله مخلصاً.
وكان نقش خاتم علي رضي الله عنه الملك.
وكان نقش خاتم أبي عبيدة بن الجراح الحمدهذا هو النقش الظاهر المضاف إلى البدن وأما نقش الوجود فنفسه فقد قيل :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٨
كرت صورت حال بد يانكوست
نكار يده دست تقدير اوست
وقيل :
نقش مستورى ومستى نه بدست من وتست
آنه سلطان ازل كفت بكن آن كردم
نسأل الله تعالى أن يحفظ نقش إيماننا في لوح القلب من مس يد الشك والريب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، واجعلنا من أهل الإيقان الذي قلت فيهم :﴿أولئك كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الايمَـانَ﴾ (المجادلة : ٢٢) فما نقشه قبضة جمالك لا يطرأ عليه محو
٣٧٠
من جلالك وإن تطاول الزمان وامتد عمر الإنسان.
يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ} يا رفيع القدر ﴿حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾ أي بالغ في حثهم على قتال الكفار ورغبهم فيه بوعد الثواب أو التنفيل عليه.
والتحريض على الشيء أن يحث الإنسان غيره ويحمله على شيء حتى يعلم منه أنه إن تخلف عنه كان حارضاً أي قريباً من الهلاك فتكون الآية إشارة إلى أن المؤمنين لو تخلفوا عن القتال بعد حث النبي عليه السلام إياهم على القتال لكانوا حارضين مشرفين على الهلاك والحث إنما يكون بعد الإقدام بنفسه ليقتدي القوم به ولهذا كان النبي عليه السلام إذا اشتدت الحرب أقرب إلى العدو منهم كما قال علي رضي الله عنه كنا إذا أحر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلّم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه".
قال السلطان سليم فاتح مصر :
كر لشكر عدو بود از قاف تابقاف
با كه هي روى نمى تابم ازمضاف
ون آفتاب ظلمت كفر ازجهان برم
كاهى و صبح تغ برون آرم ازغلاف
وفي الآية : بيان فضيلة الجهاد وإلا لما وقع الترغيب عليه، وفي الحديث :"ما جميع أعمال العباد عند المجاهدين في سبيل الله إلا كمثل خطاف أخذ بمنقاره من ماء البحَر" ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ﴾ أيها المؤمنون ﴿عِشْرُونَ صَـابِرُونَ﴾ في معارك القتال ﴿يَغْلِبُوا مِا ئَتَيْنِا وَإِن يَكُن مِّنكُمْ مِّا ئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بيان للألف وهذا القيد معتبر في المائتين أيضاً كما أن قيد الصبر معتبر في كل من المقامين.
﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ متعلق بيغلبوا، أي : بسبب أنهم قوم جهلة بالله وباليوم الآخر لا يقاتلون احتساباً وامتثالاً لأمر الله وإعلاء لكلمته وابتغاء لمرضاته وإنما يقاتلون للحمية الجاهلية واتباع الشهوات وخطوات الشيطان وإثارة نائرة البغي والعدوان فيستحقون القهر والخذلان وهذا القول وعد كريم منه تعالى متضمن لإيجاب مقاومة الواحد للعشرة وثباته لهم.
وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم حمزة في ثلاثين راكباً، فلقي أبا جهل في ثلاثمائة راكب فهزمهم فثقل عليهم ذلك وضجوا منه بعد مدة فنسخ الله هذا الحكم بقوله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٨
﴿الْـاَـانَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ﴾ ففرض على الواحد أن يثبت لرجلين.


الصفحة التالية
Icon