﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ بجميع ما يجب أن يؤمن به إجمالاً وتفصيلاً.
﴿وَهَاجَرُوا﴾ أوطانهم تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلّم وطلباً لمرضاة الله.
﴿وَجَاهَدُوا﴾ الكفار والمجاهدة.
والجهاد (باكسى كار زاركردن درراه خداى) ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ هو دين الإسلام والإخلاص الموصلان إلى الجنة ودرجاتها.
﴿وَالَّذِينَ ءَاوَوا﴾ أي ضموا المؤمنين إلى أنفسهم في مساكنهم ومنازلهم وواسوهم يقال أويت منزلي وإليه أوياً نزلته بنفسي وسكنته وأويته وآويته أنزلته والمأوى المكان فالإيواء بالفارسية (جايكاه دادن).
﴿وَّنَصَرُوا﴾ أي : أعانوهم على أعدائهم فالموصول الأول عبارة عن المهاجرين الأولين والثاني عن الأنصار كما سبق.
﴿أولئك هُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ إيماناً ﴿حَقًّا﴾ لأنهم حققوا إيمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة والجهاد وبذل المال ونصرة الحق.
فالآية الأولى : مذكورة لبيان حكمهم وهو أنهم يتوارثون ويتولى بعضهم بعضاً في الميراث.
وهذه الآية مذكورة لبيان أن الكاملين في الإيمان منهم هم المهاجرون الأولون والأنصار لا غيرهم فلا تكرار.
﴿لَّهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ أي : واسع كثير يطعمهم الله تعالى
٣٧٩
في الجنة طعاماً يصير كالمسك رشحاً ولا يستحيل في أجوافهم نجواً وهو ما يخرج من البطن من ريح أو غائط ثم ألحق بهم في الأمرين من سيلحق بهم ويتسم بسمتهم فقال.
﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِنا بَعْدُ﴾ أي : من بعد الهجرة الأولى.
﴿وَهَاجَرُوا﴾ بعد هجرتكم ﴿وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ﴾ في بعض مغازيكم.
﴿فأولئك مِنكُمْ﴾ أي : من جملتكم أيها المهاجرون والأنصار وهم الذين جاؤوا من بعضهم.
﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلاخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالايمَانِ﴾ (الحشر : ١٠) ألحقهم الله بالسابقين وجعلهم منهم تفضلاً منه وترغيباً في الإيمان والهجرة.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم آخى بين المهاجرين والأنصار فكان المهاجر يرثه أخوه الأنصاري دون قريبه الغير المهاجر وإن كان مسلماً فنسخ الله تعالى ذلك الحكم بقوله :﴿وَأُوْلُوا الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ آخر منهم في التوارث من الأجانب ﴿فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ أي : في حكمه.
﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمُ﴾ ومن جملته ما في تعليق التوارث بالقرابة الدينية أولاً وبالقرابة النسبية آخراً من الحكم البالغة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٩
نه در أحكام اوست ون ورا
نه در افعال او كونه وند
اعلم : أن المهاجرين الأولين من حيث إنهم أسسوا قاعدة الإيمان واتباع الرسول صلى الله عليه وسلّم أفضل من الأنصار يدل عليه قوله عليه السلام :"لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" فإن المراد منه إكرام الأنصار بأن لا رتبة بعد الهجرة أعلى من نصرة الدين.
والمهاجرون على طبقات.
منهم من هاجر معه عليه السلام أو بعد هجرته قبل صلح الحديبية وهو في سنة ثنتين من الهجرة وهم المهاجرون الأولون.
ومنهم من هاجر بعد صلح الحديبية قبل فتح مكة وهم أهل الهجرة الثانية.
ومنهم ذو هجرتين هجرة إلى الحبشة وهجرة إلى المدينة وكانت الهجرة إلى المدينة بعد أن هاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرضاً على المؤمن المستطيع ليكون في سعة أمر دينه ولينصر رسول الله صلى الله عليه وسلّم في إعلاء كلمة الله فلما فتح مكة أعلمهم بأن الهجرة المفروضة قد انقطعت وإنه ليس لأحد بعد ذلك أن ينال فضيلة الهجرة وأن ينازع المهاجرين في مراتبهم.
وأما الهجرة التي تكون من المسلم لصلاح دينه إلى مكة أو إلى غيرها فإنها باقية أبد الدهر غير منقطعة وفي الحديث :"لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" وفي الحديث :"من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة".
وروى الإمام في "الإحياء" : أن النبي عليه الصلاة والسلام لما عاد إلى مكة استقبل الكعبة وقال :"إنككِ خير أرض الله وأحب بلاد الله إليّ ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" فما هو محبوب للنبي عليه السلام محبوب لأمته أيضاً فالإقامة بمكة مع الوفاء بحق المقام أفضل كيف لا والنظر إلى البيت عبادة والحسنات فيها مضاعفة وللقاصر عن القيام بحق الموضع ترك الإقامة فإن بعض العلماء كرهها لمثله.
حكي أن عمر بن عبد العزيز وأمثاله من الأمراء كان يضرب فسطاطين فسطاطاً في الحل وفسطاطاً في الحرم، فإذا أراد أن يصلي أو يعمل شيئاً من الطاعات دخل فسطاط الحرم رعاية لفضل المسجد الحرام، وإذا أراد أن يأكل أو يتكلم أو غير ذلك خرج إلى فسطاط الحل ومقدار الحرم من قبل المشرق ستة أميال ومن الجانب الثاني اثني عشر
٣٨٠
ميلاً ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلاً ومن الجانب الرابع أربعة وعشرون ميلاً هكذا قال الفقيه أبو جعفر.
وكما أن للأماكن الشريفة والبقاع المنيفة قدراً وحرمة عند الله تعالى وعند الناس فكذا القلوب الصافية لأهل الكمالات الوافية بل خطرها أعظم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٩
مسجدي كواندرون اولياست
سجده كاه جمله است آنجا خداست
آن مجازاست اين حقيقت اي خران
نيست مسجد جزدرون سروران
وفي قوله تعالى :﴿فأولئك مِنكُمْ﴾ إشارة إلى أن كل سالك صادق سلك طريق الحق من المتأخرين على قدم الإيمان والهجرة والجهاد الحقيقي فهو من المتقدمين لأنه ليس عند الله صباح ولا مساء فالواصلون كلهم كنفس واحدة وهم متبرئون من الزمان والمكان استوى عندهم الأمس واليوم والغد والقرب والبعد والعلو والسفل ولهذا قال عليه السلام :"أمتي كالمطر لا يدري أولهم خير أم آخرهم" وعد المتأخرين من إخوانه وقال :"واشوقاه إلى لقاء إخواني" هذا.
وكان الحسن : إذا قرأ سورة الأنفال قال طوبى لجيش قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومبارزهم أسد الله وجهادهم طاعة الله ومددهم ملائكة الله وثوابهم رضوان الله نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصالحات الأعمال وحسنات الأقوال والأحوال وأن يجعلنا مشغولين بطاعة الله في كل آن وحال.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٩