قنديلاً صلى عليه سبعون ألف ملك حتى ينكسر ذلك القنديل" كما في "الكشف" وقال أنس رضي الله عنه :"من أسرج في مسجد سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوؤه".
وكان سليمان عليه السلام أمر باتخاذ ألف وسبعمائة قنديل من الذهب في سلاسل الفضة.
ذكر أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلّم كان إذا جاءت العتمة يوقد فيه سعف النخل فلما قدم تميم الداري المدينة صحب معه قناديل وحبالاً وزيتاً وعلق تلك القناديل بسواري المسجد وأوقدت فقال صلى الله عليه وسلّم "نورت مسجدنا نور الله عليك أما والله لو كان لي بنت لأنكحتها هذا" وفي كلام بعضهم أول من جعل في المسجد المصابيح عمر بن الخطاب ويوافقه قول بعضهم والمستحب من بدع الأفعال تعليق القناديل فيها يعني المساجد وأول من فعل ذلك عمر بن الخطاب فإنه لما جمع الناس على أبي بن كعب رضي الله عنه في صلاة التراويح علق القناديل فلما رأها علي كرم الله وجهه تزهر قال :"نورت مسجدنا نور الله قبرك يا ابن الخطاب" ولعل المراد تعليق ذلك بكثرة فلا يخالف ما تقدم عن تميم الداري.
وعن بعضهم قال : أمرنا المأمون أن أكتب بالاستكثار من المصابيح في المساجد فلم أدر ما أكتب لأنه شيء لم أسبق إليه فرأيت في المنام اكتب فإن فيه أنساً للمتهجدين ونفياً لبيوت الله تعالى عن وحشة الظلم فانتبهت وكتبت بذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٨
قال بعضهم : لكن زيادة الوقود كالواقع ليلة النصف من شعبان ويقال لها ليلة الوقود ينبغي أن يكون ذلك كتزيين المساجد ونقشها وقد كرهه بعضهم والله أعلم الكل من "إنسان العيون في سيرة النبي المأمون".
قال الشيخ عبد الغنى النابلسي في "كشف النور عن أصحاب القبور" : ما خلاصته أن البدعة الحسنة الموافقة لمقصود الشرع تسمى سنة فبناء القباب على قبور العلماء والأولياء والصلحاء ووضع الستور والعمائم والثياب على قبورهم أمر جائز إذا كان القصد بذلك التعظيم في أعين العامة حتى لا يحتقروا صاحب هذا القبر، وكذا إيقاد القناديل والشمع عند قبور الأولياء والصلحاء من باب التعظيم والإجلال أيضاً للأولياء فالمقصد فيها مقصد حسن.
ونذر الزيت والشمع للأولياء يوقد عند قبورهم تعظيماً لهم ومحبة فيهم جائز أيضاً لا ينبغي النهي عنه.
ومنها : الدخول والقعود فيها والمكث والعبادة والذكر ودراسة العلوم ونحو ذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما ألا أدلكم على ما هو خير لكم من الجهاد قالوا بلى قال أن تبنوا مسجداً فيتعلم فيه القرآن والفقه في الدين أو السنة كما في "الأسرار المحمدية".
ومنها صيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا وعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم "الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش" ويقال حديث الدنيا في المسجد وفي مجلس العلم وعند الميت وفي المقابر وعند الآذان وعند تلاوة القرآن يحبط ثواب عمل ثلاثين سنة وفي الحديث :"قال الله تعالى : إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره".
قال الإمام القشيري قدس سره عمارة المساجد التي هي مواقف العبودية لا تتأتى إلا بتخريب أوطان البشرية فالعابد يعمر المسجد بتخريب أوطان شهوته والزاهد يعمره بتخريب أوطان ملاحظته ولكل منهم
٤٠٠
صنف مخصوص وكذلك رتبهم بالإيمان مختلفة فإيمان من حيث البرهان وإيمان من حيث البيان وإيمان من حيث العيان وشتان ما بينهم انتهى كلامه نسأل الله الغفار أن يجعلنا من العمار والزوار.
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ روي أن المشركين قالوا القيام على السقاية وعمارة المسجد الحرام خير ممن آمن وجاهد وكانوا يفتخرون بالحرم ويستكثرون به من أجل أنهم أهله وعماره فأنزل الله هذه الآية".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٨


الصفحة التالية
Icon