يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} شروع في بيان غزوة تبوك وهي أرض بين الشام والمدينة ويقال لها غزوة العسرة ويقال لها الفاضحة لأنها أظهرت حال كثير من المنافقين.
وروي أنه عليه السلام لما فتح مكة وغزا هوازن وثقيفاً بحنين وأوطاس وحاصر الطائف وفتحها وأتى الجعرانة وأحرم بها للعمرة واعتمر، ثم أتى المدينة فأمر بالخروج إلى غزوة الروم قبل الشام وذلك في شهر رجب سنة تسع بلغه عليه السلام أن الروم قد جمعت له جموعاً كثيرة بالشام وأنهم قدموا مقدماتهم إلى البلقاء المحل المعروف،
٤٢٨
وقيل : للروم بنو الأصفر لأنهم ولد روم بن العيص بن إسحاق نبي الله عليه الصلاة والسلام وكان يسمى الأصفر لصفرة به.
فقد ذكر العلماء بأخبار القدماء أن العيص تزوج بنت عمه إسماعيل فولدت له الروم وكان به صفرة فقيل له الأصفر وقيل الصفرة كانت بأبيه العيص، وكان ذلك في زمان عسرة من الناس وجدب في البلاد وشدة من الحر حين طابت ثمار المدينة وأينعت واستكملت ظلالها وطالت المسافة بينهم وبين العدو فشق عليهم الخروج فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال أيها المؤمنون :﴿مَا لَكُم﴾ استفهام في اللفظ وإنكار وتوبيخ في المعنى ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمُ﴾ من طرف رسول الله الآمر بأمر الله ﴿انفِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (بيرون رويدد رراه خداى تعالى وجهاد كنيد) ومعناه بالعربية اخرجوا إلى الغزوة يقال نفر القوم ينفرون نفراً ونفيراً إذا خرجوا إلى مكان لمصلحة توجب الخروج والقوم الذين يخرجون يقال لهم النفير واستنفر الإمام الناس لجهاد العدو أي طلب منهم الخروج إلى الغزو وحثهم عليه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢٨
﴿اثَّاقَلْتُمْ﴾ أصله تثاقلتم وهو ماض لفظاً مضارع معنى لأنه حال من ما لكم.
﴿إِلَى الأرْضِ﴾ متعلق باثاقلتم على تضمينه معنى الميل والإخلاد.
والمعنى : أيُّ سبب وغرض حصل لكم واستقر إذا قيل لكم ذلك كنتم متثاقلين، أي : مائلين إلى الدنيا وشهواتها الفانية عما قريب وكرهتم مشاق السفر والجهاد المستتبعة للراحة الخالدة فالأرض هي الدنيا وشهواتها وقيل : ملتم إلى الإقامة بأرضكم ودياركم ﴿أَرَضِيتُم﴾ باستفهام التوبيخ (آيا راضي شديد وخوشدل كشتيد) ﴿بِالْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ ولذاتها من الثمار والظلال.
﴿مِنَ الاخِرَةِ﴾ أي : بدل الآخرة ونعيمها فكلمة من بمعنى البدل كما في قوله تعالى :﴿لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائكَةً﴾ أي : بدلكم ﴿فَمَا مَتَـاعُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ أي : فما التمتع بها وبلذائذها ﴿فِى الاخِرَةِ﴾ أي : في جنب الآخرة.
﴿إِلا قَلِيلٌ﴾ أي : مستحقر لا يعتد به لأن متاع الدنيا فاننٍ معيوب ومتاع الآخرة باق مرغوب.
روي أنه عليه السلام قال :"والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بم يرجع".
﴿إِلا﴾ كلمتان إن للشرط ولا للنفي أي : إن لم ﴿تَنفِرُوا﴾ تخرجوا إلى الغزو.
﴿يُعَذِّبُكُم﴾ أي : الله تعالى ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾ وجيعاً لأبدانكم وقلوبكم أي يهلككم بسبب فظيع كقحط وظهور عدو.
﴿وَيَسْتَبْدِلْ﴾ بكم بعد إهلاككم ﴿قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ أي : قوماً مطيعين مؤثرين للآخرة على الدنيا ليسوا من أولادكم ولا أرحامكم كأهل اليمن وأبناء فارس.
﴿وَلا تَضُرُّوهُ﴾ أي الله تعالى بترك الجهاد.
﴿شَيْـاًا﴾ أي : لا يقدح تثاقلكم في نصرة دينه أصلاً فإنه الغني عن كل شيء في كل شيء.
﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيقدر على إهلاككم والإتيان بقوم آخرين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢٨
واعلم : أن البطالة تقسى القلب كما جاء في الحديث (زيرا مرد بايد بشغل معاد مشغول باشد يا بشغل معاش ازوجه مباح تا درشغل دين فضل وثواب مى ستاند ودرشغل معاش خانه را آبادان مى دارد س ون نه باين شغل مشغول شود ونه بآن بى كارماند وازبى كارى سياه دل وسخت طبع شود) فلا بد من الحركة فإن البركات في الحركات الحضرية والسفرية والسفر على نوعين سفر الدنيا وسفر الآخرة وفي كليهما مشقة وإن كان الثاني أشق، وفي الحديث :"السفر قطعة من العذاب" (بعض مشايخ كفته اندكه اكر نه آنستى كه لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلّم نشايد كردانيدن
٤٢٩


الصفحة التالية
Icon