﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَـاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ﴾ استثناء من أعم الأشياء أي ما منعهم من قبول نفقاتهم منهم شيء من الأشياء إلا كفرهم فالمستثنى المفرغ مرفوع المحل على أنه فاعل منع.
وقوله أن تقبل مفعوله الثاني بنزع الخافض أو بنفسه فإنه يقال منعت الشيء ومنعت فلاناً حقه ومنعته من حقه.
وقال أبو البقاء :(أن تقبل) في موضع نصب بدلاً من المفعول في (منعهم).
﴿وَلا يَأْتُونَ الصَّلَواةَ﴾ (ونمى آيند بنماز جماعت) وهو معطوف على كفروا.
﴿إِلا وَهُمْ كُسَالَى﴾ أي : لا يأتونها في حال من الأحوال إلا حال كونهم متثاقلين.
قال الكاشفي :(مكر ايشان كاهلانند بنماز مى آيند بكسالت وكراهت نه بصدق وارادت) والكسالى جمع كسلان كما يقال سكارى وسكران.
قال البغوي : كيف ذكر الكسل في الصلاة ولا صلاة لهم أصلاً؟ قيل : الذم واقع على الكفر الذي يبعث على الكسل فإن الكفر مكسل والإيمان منشط.
﴿وَلا يُنفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَـارِهُونَ﴾ قال ابن الشيخ : الرغبة والنشاط في أداء العبادات متفرعة على رجاء الثواب بها، وخوف العقاب على تركها المتفرعين على الإيمان بما جاء به النبي عليه السلام من عند الله، والمنافق لا يؤمن بذلك فلا يرجو ثواب الآخرة ولا يخاف عقابها فيكون كسلان في إتيان الصلاة، وكارهاً للإنفاق لزعمه أنهما إتعاب للبدن وتضييع للمال بلا فائدة، وفيه ذم الكسل قيل من دام كسله خاب أمله.
قال أبو بكر الخوارزمي :
٤٤٨
لا تصحب الكسلان في حالاته
كم صالح بفساد آخر يفسد
عدوى البليد إلى الجليد سريعة
والجمر يوضع في الرماد فيخمد
وفي "المثنوي" :
كر هزاران طالبند ويك ملول
از رسالت بازمى ماند رسول
كى رسانند آن امانت را بتو
تانباشى يششان راكع دوتو
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٧
﴿فَلا تُعْجِبْكَ﴾ الإعجاب استحسان على وجه التعجب من حسنه.
قال الكاشفي :(س بايدكه ترابشكفت نيارد خطاب بآن حضرتست ومراد امت اند مؤمنا نرا ميفرمايدكه متعجب نكردانند شمارا).
﴿أَمْوَالَهُمْ﴾ أي : أموال المنافقين.
﴿وَلا أَوْلَـادُهُمْ﴾ فإن ذلك وبال عليهم واستدراج لهم، كما قال :﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ ضمير بها راجع إلى الأموال دون الأولاد.
والمعنى : ليعذبهم بالتعب في جمعها والوجل في حفظها والكره في إنفاقها ويجوز أن يرجع إليهم معاً بناء على أن الأولاد أيضاً أسباب للتعذيب الدنيوي من حيث إنهم إن عاشوا يبتلى أصولهم بمتاعب تربيتهم وتحصيل أسباب معاشهم من المآكل والمشارب والملابس وإن ماتوا يبتلى أصولهم بحسرة فراقهم فإن من أحب شيئاً كان تألمه على فراقه شديداً.
يقول الفقير : إن قلت : إن المؤمن والكافر يشتركان في هذا التعب والحسرة فما معنى تخصيص الكافر، أي : المنافق؟ قلت : نعم إلا أن المؤمن أخف حالاً لإيمانه وأمله ثواب الآخرة وصبره على الشدائد فيكون التعذيب بتربية الأولاد وحسرة فراقهم كلا تعذيب بالنسبة إليه ﴿وَتَزْهَقَ﴾ أصل الزهوق خروج الشيء بصعوبة.
﴿أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَـافِرُونَ﴾ أي فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة فيكون ذلك لهم نقمة لا نعمة (نه مال ايشانرا دست كيرد ونه فرزند بفرياد رسد) وفي إرادة الله زهوق أنفسهم على الكفر لينالوا وباله إشارة إلى جواز الرضى بكفر الغير وموته عليه إذا كان شريراً مؤذياً ينتقم الله منه أي من غير استحسان واستجازة كما قال الفقهاء إذا دعا على ظالم أماتك الله على الكفر، أو قال سلب الله عنك الإيمان أو دعا عليه بالفارسية (خداجان توبكافرى بستاند)، فهذا لا يكون كفراً إذا كان لا يستحسنه ولا يستجيزه ولكن تمنى أن يسلب الله الإيمان منه حتى ينتقم الله منه على ظلمه وإيذائه الخلق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٩
واعلم : أن الطاعة في العبودية بثلاثة أنواع بالمال والبدن والقلب أما بالمال فهو الإنفاق في سبيل الله وفي الحديث :"من جهز غازياً ولو بسلك إبرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن جهز غازياً ولو بدرهم أعطاه الله سبعين درجة في الجنة من الدر والياقوت" وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم "أتي بفرس يجعل كل خطوة منه أقصى بصره فسار ومعه جبريل فأتى على قوم يزرعون في يوم، ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال :"يا جبرائيل من هؤلاء"؟ قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف"، وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه" وأما بالبدن فهو القيام بالأوامر والنواهي والسنن والآداب المستحسنة المستحبة وأما بالقلب فهو الإيمان والصدق والإخلاص في النية فالطاعة بالمال والبدن لا تقبل عند إعواز طاعة القلب كطاعة المنافقين وطاعة القلب عند إعواز الطاعة
٤٤٩