قال بعضهم : الصديق الموافق خير من الشقيق المخالف.
فعلى العاقل أن يراعى جانب الآفاق والأنفس بقدر الإمكان ويجتهد في إصلاح الظاهر والباطن في كل زمان، ويجانب الأعداء وإن ادعوا أنهم من جملة الإخوان ومن الأعداء النفس وصفاتها وهي تدعى أنها على سيرة الروح والقلب والسر وسجيتها وليست كذلك لأن منشأ هذه عالم الأمر والأروح ومنشأ تلك عالم الحلق والأشباح فلا بد من إصلاحها وإزالة أخلاقها الرديئة لتكون لائقة بصحبة الروح ويحصل بسببها أنواع الذوق والفتوح.
﴿وَمِنْهُمُ﴾ أي من المنافقين.
﴿مَّن يَلْمِزُكَ﴾ أي : يعيبك فإن اللمز والهمز العيب واللامز كالهامز واللماز واللمزة كالهماز والهمزة بمعنى العياب، وقيل اللامز هو من يعيبك في وجهك والهامز من يعيبك بالغيب ﴿فِي الصَّدَقَـاتِ﴾ أي : في شأن الزكاة ويطعن عليك في قسمتها جمع صدقة من الصدق يسمى بها عطية يراد بها المثوبة لا التكرمة ؛ لأن بها يظهر صدقه في العبودية كما في "الكراماني".
والآية نزلت في أبي الجواظ المنافق حيث قال :
٤٥١
ألا ترون إلى صاحبكم يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم ويزعم أنه يعدل.
﴿فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا﴾ بيان لفساد لمزهم وأنه لا منشأ له سوى حرصهم على حطام الدنيا أي إن أعطوا من تلك الصدقات قدر ما يريدون.
﴿رَضُوا﴾ بما أعطوه وما وقع من القسمة واستحسنوها.
﴿وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَآ﴾ ذلك المقدار بل أقل مما طمعوا ﴿إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ أي يفاجئون السخط دلت إذا الفجائية على أنهم إذا لم يعطوا فاجأ سخطهم ولم يمكن تأخره لما جبلوا عليه من محبة الدنيا والشره في تحصيلها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٩
وفي "التأويلات النجمية" : النفاق تزيين الظاهر بأركان الإسلام وتعطيل الباطن على أنوار الإيمان والقلب المعطل عن نور الإيمان يكون مزيناً بظلمة الكفر بحب الدنيا ولا يرضى إلا بوجدان الدنيا ويسخط بفقدها.
قال السعدي :
نكند دوست زينهار از دوست
دل نهادم برآنه خاطر اوست
كر بلطفم بنزد خود خواند
ور بقهرم براند او داند
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْا مَآ ءَاتَـاـاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ أي : ما أعطاهم الرسول من الصدقات طيبي النفوس به وإن قل وذكر الله تعالى للتعظيم والتنبيه على أن ما فعله الرسول عليه السلام كان بأمره سبحانه فلا اعتراض عليه لكون المأمور به موافقاً للحكمة والصواب.
﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ﴾ أي : كفانا فضله وصنعه بنا وما قسمه لنا فإن جميع ما أصابنا إنما هو تفضل منه سواء كان لكسبنا مدخل فيه أو لم يكن.
﴿سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ صدقة أخرى ﴿وَرَسُولَهُ﴾ فيعطينا منها أكثر مما أعطانا اليوم ﴿إِنَّآ إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ أن يغنينا من فضله والآية باسرها في حيز الشرط والجواب محذوف بناء على ظهوره ولتذهب فيه النفس كل مذهب ممكن، أي لكان خيراً لهم.
(زيراكه رضا بقسمت سبب بهجت است وجزع دران موجب محنت.
سلمى از إبراهيم أدهم نقل ميكندكه هركه بمقادير خرسند شدازغم وملال بازرست).
رضا بداده بده وزجين كره بكشا
كه بر من وتو در اختيار نكشادست
ودرين معنى فرموده است.
بشنواين نكته كه خودرا زغم آزاده كنى
خون خوري كر طلب روزىء ننهاده كنى
يقال إذا كان القدر حقاً كان السخط حمقاً.
ولما قدم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مكة بعدما كف بصره، قيل له : أنت مجاب الدعوة لِمَ لا تسأل رد بصرك؟ فقال : قضاء الله تعالى أحب إليّ من بصري.
قيل لحكيم : ما السبب في قبض الكف عند الولادة وفتحه عند الموت فأنشد :
ومقبوض كف المرء عند ولادة
دليل على الحرص المركب في الحي
ومبسوط كف المرء عند وفاته
يقول انظروا إني خرجت بلا شيء
حكي : أن نباشاً تاب على يد أبي يزيد البسطامي قدس سره، فسأله أبو يزيد عن حاله فقال نبشت عن ألف، فلمْ أر وجوههم إلى القبلة إلا رجلين، فقال أبو يزيد : مساكين أولئك نهمة الرزق حولت وجوههم عن القبلة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٩
فعلى العاقل التوكل على الله والاعتماد بوعده فإن الله كاف لعبده ومن وجد الله فقد ما دونه لأن فقدان الله في وجدان ما سواه ووجدانه
٤٥٢
في فقدان ما سواه ومن وجده يرضى به ويقول سيؤتينا الله من فضله ما نحتاج إليه في كمال الدين ونظام الدنيا إنا إلى الله راغبون لا إلى الدنيا والعقبى وما فيهما غير المولى.
روي أن عيسى عليه السلام مر بقوم يذكرون الله تعالى فقال لهم ما الذي حملكم عليه قالوا الرغبة في ثواب الله فقال أصبتم ومر على قوم آخرين يذكرون الله تعالى فقال لهم ما الذي حملكم عليه قالوا الخوف من عقاب الله تعالى فقال أصبتم ومر على قوم ثالث مشتغلين بذكر الله فسألهم عن سببه فقالوا لا نذكره للخوف من العقاب ولا للرغبة في الثواب بل لإظهار ذلة العبودية وعزة الربوبية وتشريف القلب بمعرفته وتشريف اللسان بالألفاظ الدالة على صفات قدسه وعزته فقال أنتم المتحققون وفي هذا المعنى.
قال الحافظ :
درم روضه جنت بدو كندم بفروخت