ومر الحسن البصري بشاب وهو يضحك فقال له : يا بني هل مررت على الصراط؟ فقال : لا، فقال : هل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار؟ فقال : لا، فقال : ففيم هذا الضحك فما رؤي الفتى بعد ذلك يضحك.
قيل : لما فارق موسى الخضر عليهما السلام قال : إياك واللجاجة ولا تكن مشاء إلا لحاجة ولا ضحاكاً من غير عجب كان وابككِ على خطيئتك يا ابن عمران.
قال محمد بن واسع إذا رأيت رجلاً في الجنة يبكي ألست تتعجب من بكائه قال : بلى، قال : فالذي يضحك في الدنيا ولا يدري إلام يصير هو أعجب منه.
وعن وهب بن منبه أنه قال إن زكريا عليه السلام فقد ابنه يحيى عليه السلام فوجده مضطجعاً على قبر يبكي فقال : يا بني ما هذا البكاء، قال : أخبرتني أمي أن جبريل أخبرك أن بين الجنة والنار مفازة ذات لهب لا يطفىء حرها إلا الدمع فقال زكريا ابك يا بني ابك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٤
وعن كعب الأحبار أنه قال إن العبد لا يبكي حتى يبعث الله إليه ملكاً فيمسح كبده بجناحه فإذا فعل ذلك بكى.
وعن أنس قال ثلاثة أعين لا تمسها النار عين فقئت في سبيل الله وعين باتت تحرس في سبيل الله وعين دمعت من خشية الله.
وفي الحديث :"لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إليّ من أن تصدق بألف دينار" وفي التوراة يا ابن آدم إذا دمعت عيناك فلا تمسح الدموع بثوبك ولكن امسحها بكفك فإنها رحمة.
قال العلماء : البكاء على عشرة أنواع : بكاء فرح، وبكاء حزن، وبكاء رحمة، وبكاء خوف، مما يحصل، وبكاء كذب كبكاء النائحة ؛ لأنها تبكي لشجو غيرها وجاء "تخرج النائحة من قبرها يوم القيامة شعثاء غبراء عليها جلباب
٤٧٦
من لعنة ودرع من جرب، وضعت يدها على رأسها تقول واويلاه وتنبح كما ينبح الكلب".
وبكاء موافقة بأن يرى جماعة يبكون فيبكي مع عدم علمه بالسبب، وبكاء المحبة والشوق، وبكاء الجزع من حصول ألم لا يحتمله، وبكاء الجور والضعف.
وبكاء النفاق وهو أن تدمع العين والقلب قاس.
وأما التباكي فهو تكلف البكاء وهو نوعان محمود ومذموم.
والأول ما يكون لاستجلاب رقة القلب.
والثاني ما يكون لأجل الرياء والسمعة كما في "إنسان العيون".
والحاصل : أن طالب الآخرة ينبغي له تقليل الضحك وتكثير البكاء ولا يغفل عن الموت ولقاء الجزاء فإنه كم ضاحك وكفنه عند القصار.
قال الحافظ :
ديد آن قهقهه كبك خرامان حافظ
كه زسر نه شاهين قضا غافل بود
﴿فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ﴾ من الرجع المتعدي دون الرجوع اللازم يقول رجع رجوعاً أي انصرف ورجع الشيء عن الشيء، أي صرفه ورده كأرجعه.
والمعنى فإن ردك الله من غزوة تبوك.
﴿إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ﴾ الطائفة من الشيء القطعة منه وضمير منهم إلى المنافقين المتخلفين في المدينة دون المتخلفين مطلقاً منافقاً كان أو مخلصاً فإن تخلف بعضهم إنما كان لعذر عائق مع الإسلام أو إلى من بقي من المنافقين لأن منهم من مات ومنهم من غاب عن البلد ومنهم من تاب ومنهم من لم يستأذن وعن قتادة أنهم كانوا اثني عشر رجلاً قيل فيهم ما قيل.
﴿فَاسْتَـاْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ﴾ معك إلى غزوة أخرى بعد غزوتك هذه وهي تبوك.
﴿فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِىَ أَبَدًا﴾ أي : لا تأذن لهم بحال وهو إخبار في معنى النهي للمبالغة، وكذا قوله :﴿وَلَن تُقَـاتِلُوا مَعِىَ عَدُوًّا﴾ من الأعداء ﴿إِنَّكُمْ﴾ تعليل لما سلف، أي : لأنكم ﴿رَضِيتُم بِالْقُعُودِ﴾ أي : عن الغزو وفرحتم بذلك ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ هي الخرجة إلى غزوة تبوك وتذكير اسم التفضيل المضاف إلى المؤنث هو الأكثر الدائر على الألسنة فإنك لا تكاد تسمع قائلاً يقول هي كبرى امرأة أو أولى مرة.
﴿فَاقْعُدُوا﴾ من بعد ﴿مَعَ الْخَـالِفِينَ﴾ أي : المتخلفين الذين ديدنهم القعود والتخلف دائماً لعدم لياقتهم للجهاد كالنساء والصبيان ففي الخالفين تغليب الذكور على الإناث.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٤
فإن قيل : كانت أعمال المنافقين من الشهادة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد مقبولة عند النبي عليه السلام وإن لم تكن مقبولة عند الله تعالى فكان النبي عليه السلام يقول نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر فما الحكمة في أن الله تعالى أمر النبي عليه السلام بأن لا يقبل من المتخلفين أعمالهم من الخروج معه والقتال مع العدو وغير ذلك.
قلنا : إن الحكمة في ذلك والله أعلم أن المنافقين لما كانوا يظهرون الإسلام والائتمار بأوامر النبي عليه السلام وسرائرهم موكولة إلى الله تعالى طمعاً في إنابتهم ورجوعهم من النفاق إلى الوفاق فلما أظهروا ما اضمروا ردت إليهم أعمالهم فكان الحكم بالظاهر أيضاً فافهم.
قال العلماء : أخرجهم الله تعالى من ديوان الغزاة ومحا أساميهم من دفتر المجاهدين وأبعد محلهم من محفل صحبة النبي صلى الله عليه وسلّم عقوبة لهم على تخلفهم لما فيه من الإهانة وإظهار نفاقهم وبيان أنهم ليسوا ممن يتقوى به الدين ويعز الإسلام كالمؤمنين
٤٧٧


الصفحة التالية
Icon