وبيان أن المنافقين رجس، أي : جعلوا على طينة خبيثة غير طيبة ولذا كسبوا بخباثة تلك الطينة أعمالاً خبيثة وأوصافاً ذميمة وبها صاروا مستحقين للنار مطلقاً أي صورية وهي نار جهنم ومعنوية وهي نار القطيعة والهجران من الله تعالى ومن الرسول عليه السلام والمؤمنين أجمعين (شبلى ديد زنى راكه مى كريد وميكويد يا ويلاه من فراق ولدى شبلي كريست وكفت يا ويلاه من فراق الاخدان زن كفت را نين ميكويى شبلى كفت توكريه ميكنى بر مخلوقي كه هر آيينه فانى خواهد شد من را كريه نكنم بر فراق خالقى كه باقي باشد).
فرزند ويار ونكه بميرند عاقبت
اي دوست دل مبند بجزحى لا يموت
فعلى العاشق المهجور أن يبكي من ألم الفراق ويبالغ في الوجد والاشتياق لعل الله تعالى يزيل البين من البين ويجعله بعد غمه وهمه قرير العين ويرضى عنه كما رضي عن الأبرار والمقربين ولا يسخط عليه إلى أبد الآبدين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٥
﴿الاعْرَابُ﴾ جمع أعرابي كما أن العرب جمع عربي والمجوس جمع مجوسي واليهود جمع يهودي بحذف ياء النسبة في الجمع والفرق بين العرب والأعراب
٤٨٨
أن العرب صنف خاص من بني آدم سواء سكن البوادي أم القرى.
وأما الأعراب فلا يطلق إلا على من يسكن البوادي فالعرب أعم.
وقيل : العرب هم الذين استوطنوا المدن والقرى والأعراب أهل البدو فيكونان متباينين، أي : أصحاب البدو.
﴿أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا﴾ من أهل الحضر لأن أهل البدو تشبه الوحوش من حيث إنهم مجبولون على الامتناع عن الطاعة والانقياد لأن استيلاء الهواء الحار اليابس عليهم يزيدهم قساوة لقلوبهم وهي تستتبع التكبر والفخر والطيش عن الحق ولأن من لم يدخل تحت تأدب مؤدب ولم يخالط أهل العلم والمعرفة ولم يستمع كتاب الله ومواعظ رسوله كيف يكون مساوياً لمن أصبح وأمسى في صحبة أهل العلم والحكمة مستمعاً لمواعظ الكتاب والسنة ولذا ورد في الحديث :"أهل الكفور أهل القبور" الكفور : جمع كفر وهي القرية لسترها الناس.
والمعنى أن سكان القرى بمنزلة الموتى لا يشاهدون الأمصار والجمع.
وفي "الفردوس الأعلى" : يريد بها القرى البعيدة عن الأمصار ومجتمع أهل العلم لكون الجهل عليهم أغلب وهم إلى البدع أسرع.
قال في "المثنوي" :
ده مرو ده مرد را أحمق كند
عقل را بى نور وبى رونق كند
قول يغمبر شنو اي مجتبى
كور عقل آمد وطن درروستا
وإن شئت تعرف الفرق بين أهل الحضر والبادية فقابل الفواكه الجبلية بالفواكه البستانية.
قال في "الإرشاد" : هذا من باب وصف الجنس بوصف بعض أفراده كما في قوله تعالى :﴿وَكَانَ الانسَـانُ كَفُورًا﴾ (الإسراء : ٦٧) إذ ليس كل الأعراب كما ذكر على ما ستحيط به خبراً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٨
قال الكاشفي :(مراد بنو تميم وبنو اسد وغطفان واعراب حوالى مدينه اند نه تمام اهل باديه بلكه اين جمع مخصوص).
﴿وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا﴾ أي أحق وأولى أن لا يعلموا ﴿حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ أي : حدود العبادات والشرائع المنزلة من الله تعالى على رسوله فرائضها وسننها، وذلك لكونهم أبعد عن استماع القرآن والسنن ولذلك تكره إمامة الأعرابي في الصلاة كما في "الحدادي".
قال العلماء : إذا كان الإمام يرتكب المكروهات في الصلاة كره الاقتداء به وينبغي للناظر وولى الأمر عزله كما في "فتح القريب".
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بأحوال كل من أهل الوبر والمدر ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم من العقاب والثواب.
قال في "التأويلات النجمية" : إن في عالم الإنسان بدواً وهو نفسه وحضراً وهو قلبه كما أن في عالم الصورة بدواً وحضراً والأعراب إشارة إلى النفس وهواها وهو الكفر والنفاق لها ذاتي كما أن الإيمان للقلب ذاتي من فطرة الله التي فطر الناس عليها فيحتمل أن يصير القلب كافراً بسراية صفة النفس إليه فيتلوّن بلون النفس.
وفي "المثنوي" :
اندك اندك آب را دزد هوا
وين نين دزددهم احمق ازشما
كرميت را دزدد وسردى دهده
همنان كوزير خود سنكى نهد
كما يحتمل أن تصير النفس مؤمنة لسراية صفة القلب فتلون بلون القلب.
مكو زنهار اصل عود وبست
بين دودش ه مستثنى وخوبست
يعني : بسبب مجاورة كلاب وذلك مشهور والنفس تكون أشد كفراً ونفاقاً من القلب وإن كان
٤٨٩
كافراً كما أن القلب يكون أشد إيماناً من النفس وإن كانت مؤمنة.
﴿وَأَجْدَرُ﴾ يعني : النفس وصفاتها أولى من القلب.
﴿أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ أي : من الواردات النازلة على الأرواح فإن الروح بمثابة الرسول في عالم الصورة.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ في أن يجعل بعض النفس الكافرة مؤمنة وبعض القلب المؤمن كافراً.