ثم اعلم : أن الأجل محكوم ومحتوم، وأن الرزق مقسوم ومعلوم، وأن من أخطأ لا يصيب.
وأن سهم المنية لكل أحد مصيب، وأن كل نفس ذائقة الموت، وأن ما قدر أزلاً لا يخشي من الفوت، وإن الجنة تحت ظلال السيوف، وأن الري الأعظم في شرب كؤوس الحتوف، وأن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار، ومن أنفق ديناراً كتب بسبعمائة دينار وفي رواية بسبعمائة ألف دينار، وأن الشهداء حقاً عند الله من الأحياء، وأن أرواحهم في جوف طيور خضر تتبوأ من الجنة حيث تشاء، وأن الشهيد يغفر له جميع ذنوبه وخطاياه، وأنه شفع في سبعين من أهل بيته وأولاده، وأنه آمن يوم القيامة من الفزع الأكبر، وأنه
٥١٥
لا يجد كرب الموت ولا هول المحشر، وأنه لا يحس بألم القتل، وأن الطاعم النائم في الجهاد أفضل من الصائم القائم في سواه، ومن حرس في سبيل الله لا تبصر النار عيناه، وأن المرابط يجرى له أجر عمله الصالح إلى يوم قيامه، وأن ألف يوم لا تساوي يوماً من أيامه، وأن رزقه يجري عليه كالشهيد أبداً لا يقطع، وأن رباط يوم خير من الدنيا وما فيها، وأنه يأمن من فتنة القبر وعذابه، وأن الله يكرمه في القيامة بحسن مآبه، إلى غير ذلك وإذا كان الأمر كذلك، فيتعين على كل عاقل التعرض لهذه الرتبة وصرف عمره في طلبها والتشمير للجهاد، عن ساق الاجتهاد.
والنفير إلى ذوي العناد، من كل العباد، وتجهيز الجيوش والسرايا، وبذل الصلات والعطايا، وإقراض الأموال لمن يضاعفها ويزكيها، ودفع سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها، وأن ينفر في سبيل الله خفافاً وثقالاً.
ويتوجه إلى جهاد أعداء الله ركباناً ورجالاً، حتى يخرجوا إلى الإسلام من أديانهم، أو يعطوا الجزية صغرة بإيمانهم، أو تستلب نفوسهم من أبدانهم، وتجتذب رؤوسهم من تيجانهم.
فجموع ذوي الإلحاد مكسرة، وإن كانت بالتعداد مكثرة، وجيوش أولي العناد مدبرة مدمرة، وإن كانت بعقولهم مقدمة مدبرة، وعزمات رحال الضلال مؤنثة مصغرة، وإن كانت ذواتهم مذكرة مكبرة.
ألا ترى أن الله تعالى جعل كل مسلم يغلب منهم اثنين.
وللذكر من العقل مثل حظ الأنثيين.
فوجب علينا أن نطير إليهم ونغير عليهم رجالاً وفرساناً.
ونجهد في خلاص أسير ومكروب.
واغتنام كل خطير ومحبوب، ونبيد بأيدي الجلاد حماة الشرك وأنصاره، ونصول بالنصول الحداد على دعاة الكفر انهتك استاره.
ونتطهر بدماء المشركين والكفار، من أرجاس الذنوب وأنحاس الأوزار، هناك فتحت من الجنة أبوابها.
وارتفعت فرشها ووضعت أكوابها.
وبرزت الحور العين عربها وأترابها، وقام للجلاد على قدم الاجتهاد خطابها.
فضربوا ببيض المشرفية فوق الأعناق.
واستعذبوا من المنية مر المذاق.
وباعوا الحياة الفانية بالعيش الباق، فوردوا من مورد الشهادة مورداً لم يظمؤوا بعده أبداً، وربحت تجارتهم فكانوا أسعد السعدا، أولئك في صفقة بيعهم هم الرابحون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون، إليك اللهم نمد أكف الضراعة أن تجعلنا منهم.
وإن لا تحيد بنا عند قيام الساعة عنهم، وأن ترزقنا من فضلك شهادة ترضيك عنا.
وغفراً للذنب الذي أنقض الظهر وعنى، وقبولاً لنفوسنا إذ عرضناها رحمة منك وتفضلاً ومنا.
وحاشى كرمك أن نؤوب بالخيبة مما رجوناه وأملنا، وأنت أرحم الراحمين.
وعن الشيخ عبد الواحد بن زيد قدس سره قال بينما نحن ذات يوم في مجلسنا هذا قد تهيأنا للخروج إلى الغزو قد أمرت أصحابي بقراءة آيتين فقرأ رجل في مجلسنا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٤
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ إذ قام غلام في مقدار خمس عشرة سنة أو نحو ذلك وقد مات أبوه وورثه مالاً كثيراً فقال يا عبد الواحد بن زيد ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ فقلت : نعم حبيبي، فقال : إني أشهدك أني قد بعت نفسي ومالي بأن لي الجنة فقلت له إن حد السيف أشد من ذلك وأنت صبي، وإني أخاف
٥١٦