وفيه أيضاً حكي عن بعض الصالحين أنه حصل له ضيق شديد فرأى النبي صلى الله عليه وسلّم في المنام فقال له يا فلان لا تغتم ولا تحزن إذا كان الغد ادخل على علي بن عيسى الوزير فأقرئه مني السلام وقل له بعلامة أنك صليت عليّ عند قبري أربعة آلاف مرة يدفع لك مائة دينار عيناً فلما أصبح ذهب إليه وقص عليه الرؤيا فاغرورقت عينا عليّ بن عيسى بالدموع وقال صدق الله ورسوله وصدقت أنت يا رجل هذا شيء ما كان علم به إلا الله ورسوله يا غلام هات الكيس فاحشره بين يديه فأخرج منه ثلاثمائة دينار وقال هذه المائة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهذه المائة الأخرى بشارة وهذه المائة الأخرى هدية لك فخرج الرجل من عنده ومعه ثلاثمائة دينار وقد زال همه وغمه ومنّ الله على الوزير المذكور فترك الوزارة وعلو الرياسة وظلم السلطنة وعظمة الجبابرة وذهب إلى مكة وجاور فيها ببركة ذكر النبي صلى الله عليه وسلّم وتخصيصه بإرسال ذلك الرجل لما سبق له في علم الله تعالى بما يؤول أمره إليه من الخير وحسن الخاتمة :
خدايا بحق بني فاطمه
كه برقول ايمان كنم خاتمه
وعن أبيّ رضي الله عنه :"إن آخر ما نزل هاتان الآيتان".
وعن النبي صلى الله عليه وسلّم "ما نزل القرآن عليّ إلا آية آية وحرفاً حرفاً ما خلا سورة براءة وسورة قل هو الله أحد فإنهما أنزلتا عليّ ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة".
واعلم أن الأحاديث التي ذكرها صاحب "الكشاف" في أواخر السورة وتبعه القاضي البيضاوي والمولى أبو السعود رحمهم الله من أجلة المفسرين قد أكثر العلماء القول فيها فمن مثبت ومن ناف بناء على زعم وضعها كالإمام الصغاني وغيره واللائح لهذا العبد الفقير سامحه الله القدير أن تلك الأحاديث لا تخلو إما أن تكون صحيحة قوية أو سقيمة ضعيفة أو مكذوبة موضوعة فإن كانت صحيحة قوية فلا كلام
٥٤٧
فيها وإن كانت ضعيفة الأسانيد فقد اتفق المحدثون على أن الحديث الضعيف يجوز العمل به في الترغيب والترهيب فقط كما في "الأذكار" للنووي و"إنسان العيون" لعلي بن برهان الدين الحلبي و"الأسرار المحمدية" لابن فخر الدين الرومي وغيرها وإن كانت موضوعة فقد ذكر الحاكم وغيره أن رجلاً من الزهاد انتدب في وضع الأحاديث في فضل القرآن وسوره فقيل له فلم فعلت هذا فقال رأيت الناس زهدوا في القرآن فأحببت أن أرغبهم فيه فقيل له إن النبي صلى الله عليه وسلّم قال :"من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" أي : فليتخذ يقال تبوأ الدار اتخذها مباءة أي مسكناً ومنزلاً ولفظه أمر ومعناه خبر يعني فإن الله بوأه مقعده أي موضع قعوده منها فقال أنا ما كذبت عليه إنما كذبت له كما في شرح "الترغيب والترهيب" المسمى "بفتح القريب" أراد أن الكذب عليه يؤدي إلى هدم قواعد الإسلام وإفساد الشريعة والأحكام وليس كذلك الكذب له فإنه للحث على اتباع شريعته واقتفاء أثره في طريقته.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب حرام فإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً وواجب إن كان ذلك المقصود واجباً فهذا ضابطه انتهى.
قال الشيخ سعدي :
خردمندان كفته اند دروغ
مصلحت آميزبه ازراست فتنه انكيز
وقال اللطيفي :
دروغى كه جان ودلت خوش كند
به ازراستى كان مشوش كند
وبالجملة المرء مخير في هذا الباب فإن شاء عمل بتلك الأحاديث بناء على حسن الظن بالأكابر حيث أثبتوها في كتبهم خصوصاً في صحف التفاسير الجليلة وظاهر أنهم لا يضعون حرفاً إلا بعد التصفح الكثير وإن شاء ترك العمل بها وحرم من منافع جمة ولا محاجة معه وربما يتفق المحدثون على صحة بعض الأحاديث ولا صحة له في نفس الأمر فإن الإنسان مركب من السهو والنسيان وحقيقة العلم عند الله الملك المنان ولذا قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر قد يظهر من الخليفة الآخذ الحكم من الله ما يخالف حديثاً ما في الحكم فيتخيل أنه من الاجتهاد وليس كذلك وإنما هذا الإمام لم يثبت عنده من جهة الكشف ذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلّم ولو ثبت الحكم به وإن كان طريق الإسناد العدل عن العدل فالعدل ليس بمعصوم من الوهم الذي هو مبدأ السهو والنسيان ولا من النقل على المعنى الذي هو مبدأ التأويلات والتحريفات فمثل هذا يقع من الخليفة اليوم انتهى فهذا كلام حق بلا مريه وليس وراء عبادان قريه.


الصفحة التالية
Icon