جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
وعن الحسن : من أحسن عبادة ربه في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله، وفيه إشارة إلى أن المطيع تفتح له ينابيع الحكمة، وتنبيه على أن العطية الإلهية تصل إلى العبد وإن طال العهد إذا جاء أوانها فلطالب الحق أن ينتظر إحسان الله تعالى ولا ييأس منه، وفي الحديث : أفضل أعمال أمتي انتظارهم فرج الله.
قال النصر لما عقل يوسف عن الله أوامره ونواهيه واستقام معه على شروط الأدب، أعطاه حكماً على الغيب في تعبير الرؤيا وعلماً بنفسه في مخالفة هواها.
قال بعض الأكابر : الكمال العلمي أفضل من الكمال العملي والتقصير من جهة العلم أشد من التقصير من جهة العمل فإن حسن العقيدة وصفاء القريحة بسبب العلم والكمال، ولشرفه أمر الله تعالى سيد الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم وسلامه بطلب الزيادة منه، فقال : وقل رب زدني علماً}(طه : ١١٤) وقد ذكر أهل الإشارة أن آدم عليه السلام وصل إلى رياسة سجود الملائكة بعلم الأسماء، وسليمان إلى الملك العظيم بالفهم، وعلم منطق الطير، ويوسف إلى النجاة والشرف والعز بعلم التعبير فالعالم بعلم التوحيد كيف لا ينجو من الجحيم وينال شرف لقاء الله تعالى في دار النعيم.
﴿وَكَذَالِكَ﴾ أي مثل الجزاء العجيب الذي
٢٣٣
جزينا يوسف.
نجزى المحسنين كل من يحسن في عمله وفي تعليق الجزاء المذكور بالمحسنين إشعار بعلية الإحسان له وتنبيه على أنه سبحانه إنما آتاه الحكم والعلم لكونه محسناً في أعماله متقياً في عنفوان أمره، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
قال بعض الأكابر : نجزي المحسنين الذين يحسنون لأنفسهم في الطلب والإرادة والاجتهاد والرياضة فمن أدخل نفسه في زمرة أهل الإحسان جزاه الله بأحسن الجزاء وأحبه، كما قال تعالى : والله يحب المحسنين}(آل عمران : ١٣٤) فمن أحبه الله نال سعادة الدارين في الحديث :"إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً، فأحبه فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض".
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ مبلغ كمالية استعداده لقبول فيض الألوهية آتيناه حكماً وعلماً أفضنا عليه سجال الحكمة الإلهية والعلم اللدني وكما أفضنا على القلب ما هو مستحقه من الحكمة والعلم بفضلنا.
و كرمنا كذلك نجزي المحسنين الأعضاء الرئيسية والجوارح إذا أحسنوا الأعمال والأخلاق على قاعدة الشريعة والطريقة خير الجزاء وهو التبليغ إلى مقام الحقيقة انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
ثم إن الجزاء ينبغي أن يكون مترتباً على انقضاء العمل، فتارة يظهر بعد تمام الأعمال كلها، وتارة يظهر لكل عمل منقض جزاء، وهكذا إلى الوصول إلى غاية الأجزية، فعلم تعبير رؤيا الملك وصاحبي السجن أوتى يوسف في السجن وتمامه مع انضمام العلوم الكلية بعد انتهاء الابتلاء فافهم المقام وكن على بصيرة من إدراك دقائق الكلام.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
﴿وَرَاوَدَتْهُ﴾ التي هو في بيتها عن نفسه المراودة المطالبة من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شيء، وهي مفاعلة من واحد لكن لما كان سبب هذا الفعل صادراً من الجانب المقابل لجانب فاعله فإن مراودتها إنما هي لجمال يوسف، كمداواة الطبيب إنما هي للمرض الذي هو من جانب المريض عبر عنه بالمسبب وجيء بصيغة المفاعلة وتعديتها بعن لتضمنها معنى المخادعة، فالمعنى خادعت زليخا يوسف عن نفسه لتنال غرضها أي فعلت ما يفعل المخادع لصاحبه عن شيء لا يريد إخراجه عن يده وهو يحتال أن يأخذه منه وهي عبارة عن التمحل في مواقعته إياها، والمحل طلب بحيلة وتكلف، كما في القاموس وإيراد الموصول لتقرير المراودة فإن كونه في بيتها مما يدعو إلى ذلك، قيل لواحدة ما حملك على ما أنت عليه مما لا خير فيه قالت قرب الوساد وطول السواد، ولإظهار كمال نزاهته فإن عدم ميله إليها مع دوام مشاهدته لمحاسنها وامتناعه منها مع كونه تحت مملكتها ينادي بكونه في أعلى معارج العفة والنزاهة حكي أن زليخا كانت من أجمل النساء وكانت بنت سلطان المغرب واسمه طيموس فرأت ذات ليلة في المنام غلاماً على أحسن ما يكون من الحسن والجمال فسألت عنه فقال أنا عزيز مصر فلما استيقظت افتتنت بما رأت في الرؤيا وأدى ذلك إلى تغير حالها ولكنها كتمت حالها عن الأغيار دهراً.
نهان ميداشت رازش دردل تنك
وكان لعلى ولعل اندر دل سنك
ثم تفطن من في البيت من الجواري وغيرها أن بها أمراً فقال بعض بإصابة العين وبعض بإصابة السحر وبعض بمس الجن وبعض بالعشق.
صح عند الناس أني عاشق
غير أن لم يعرفوا عشقي لمن
ففتش عن أمرها فما وجد من غير العشق.
٢٣٤
زليخا عشق را وشيده مى داشت
بسينه تخم را وشيده ميكاشت
ولى سر ميزد آن هردم زجايى
همي كرد از برون نشو ونمايى
خوشست از بخردان اين نكته كفتن
كه مشك عشق را نتوان نهفتن
اكر برمشك كر دررده صد توى


الصفحة التالية
Icon