فقال العزيز : ماأقبل قولك إلا ببرهان، وفي رواية نظر العزيز إلى ظاهر قول زليخا وتظلمها فأمر بأن يسجن يوسف وعند ذلك دعا يوسف بإنزال البراءة، وكان لزليخا خال، له ابن في المهد ابن ثلاثة أشهر أو أربعة أو ستة على اختلاف الروايات فهبط جبريل إلى ذلك الطفل وأجلسه في مهده، وقال له إشهد ببراءة يوسف فقام الطفل من المهد وجعل يسعى حتى قام بين يدي العزيز وكان في حجرانه.
٢٤٠
فغان زد كاى عزيز آهسته ترباش
ز تعجيل عقوبت بر حذر باش
سزاوار عقوبت نيست يوسف
بطلف ومرحمت او ليست يوسف
عز يزاز كفتن كودك عجب ماند
سخن با او بقانون ادب راند
كه اي ناشسته لب زالايش شير
خدايت كرد تلقين حسن تفرير
بكوروشن كه اين آتش كه افروخت
كزانم رده عز وشرف سوخت
كما قال الله تعالى : وشهد شاهد من أهلها أي : ابن خالها الذي كان صبياً في المهد، وإنما القى الله الشهادة على لسان من هو من أهلها ليكون أوجب للحجة عليها، وأوثق لبراءة يوسف وأنفى للتهمة عنه.
وفي الإرشاد ذكر كونه من أهلها لبيان الواقع إذ لا يختلف الحال في هذه الصورة بين كون الشاهد من أهلها أو من غيرهم.
واعلم أنه تكلم في المهد جماعة، منهم شاهد يوسف هذا، ومنهم نبينا فإنه تكلم في المهد في أوائل ولادته وأول كلام تكلم به أن قال : الله أكبر كبيراً والحمدكثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا.
ومنهم عيسى عليه السلام ويأتي تكلمه في سورة مريم، ومنهم مريم، والدة عيسى عليهما السلام، ومنهم يحيى عليه السلام، ومنهم إبراهيم الخليل عليه السلام، فإنه لما سقط على الأرض استوى قائماً على قدميه وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد الحمدالذي هدانا لهذا.
ومنهم نوح عليه السلام فإنه تكلم عقيب ولادته فإن أمه ولدته في غار خوفاً على نفسها وعليه فلما وضعته وأرادت الانصراف قالت وانوحاه فقال لها لا تخافي أحداً عليّ يا أمّاه فإن الذي خلقني يحفظني، ومنهم موسى عليه السلام، فإنه لما وضعته أمه استوى قاعداً وقال يا أماه لا تخافي أي من فرعون إن الله معنا، وتكلم يوسف عليه السلام في بطن أمه فقال : أنا المفقود والمغيب عن وجه أبي زماناً طويلاً فأخبرت أمه والده بذلك، فقال لها : اكتمي أمرك، وأجاب واحد أمّه بالتشميت وهو في بطنها حين عطست وسمع الحاضرون كلهم صوته من جوفها، ومنهم ابن المرأة التي مر عليها بامرأة يقال إنها زنت فشهد بالبراءة.
ومنهم طفل لذي الأخدود.
ومنهم ابن ماشطة بنت فرعون.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤٠
عن ابن الجوزي أن ماشطة بنت فرعون لما أسلمت أخبرت الابنة أباها بإسلامها، فأمر بإلقائها وإلقاء أولادها في النقرة المتخذة من النحاس المحماة، فلما بلغت النوبة إلى آخر ولدها وكان مرضعاً قال : اصبري يا أماه فإنك على الحق، ومنهم مبارك اليمامة قال بعض الصحابة دخلت داراً بمكة فرأيت فيها رسول الله وسمعت منه عجباً جاءه رجل بصبي يوم ولد وقد لفه في خرقة فقال النبي عليه السلام : يا غلام من أنا قال الغلام بلسان طلق أنت رسول الله قال : صدقت بارك الله فيك ثم إن الغلام لم يتكلم بشيء فكنا نسميه مبارك اليمامة، وكانت هذه القصة في حجة الوداع، ومنهم صاحب جريج الراهب وقصته أن جريجاً كان يتعبد في صومعة فقالت بنية من بني إسرائيل لافتننه، فعرضت له نفسها فلم يلتفت إليها فمكنت نفسها من راعي غنم كان يأوى بغنمه إلى أصل صومعته، فولد غلاماً وقالت : إنه من جريج فضربوه وهدموا صومعته فصلى جريج وانصرف إلى الغلام ووضع يده على رأسه فقال : بحق الذي خلقك أن تخبرني من أبوك؟ فتكلم بإذن الله تعالى إن أبي فلان الراعي، فاعتذروا إلى جريج
٢٤١
وبنوا صومعته، ومنهم ما ذكره الشيخ محيي الدين ابن العربي قدس سره قال : قلت لبنتي زينب مرة وهي في سن الرضاعة قريباً عمرها من سنة ما تقولين في الرجل يجامع حليلته ولم ينزل؟ فقالت : عليه الغسل فتعجب الحاضرون من ذلك ثم إني فارقت تلك البنت وغبت عنها سنة في مكة وكنت أذنت لوالدتها في الحج وجاءت مع الحج الشامي فلما خرجت لملاقاتها رأتني من فوق الجمل وهي ترضع فقالت قبل أن تراني أمها هذا أبي وضحكت ورمت نفسها إليّ كما في إنسان العيون.
إن كان قميصه قد من قبل الشرطية محكية على إرادة القول كأنه قيل وشهد شاهد من أهلها فقال إن كان قميصه وجمع بين إن الذي هو للاستقبال، وبين كان، لأن المعنى إن يعلم أن قميصه قد من قبل أي من قدام فالشرط وإن كان ماضياً بحسب اللفظ لكنه في تأويل المضارع.
فإن قلت : كيف اطلق الشهادة على تقوّل هذه الشرطية مع أن الشهادة في عرف الشرع عبارة عن الإخبار بثبوت حق الغير على غيره بلفظ أشهد؟
قلت : هذه الشرطية تقوم مقام الشرطية وتؤدي مؤداها من حيث إن تقولها ثبت به صدق يوسف وبطل قولها فصدقت أي : فقد صدقت زليخا في قولها.
وهو من الكاذبين في قوله لأنه إذا طلبها دفعته عن نفسها فشقت قميصه من قدام، أو يسرع خلفها ليدركها فيتعثر بذيله فينشق جيبه.