لي الخضر كنت بمسجد صنعاء وكان الناس يستمعون الحديث من عبد الرزاق وفي زاوية المسجد شاب في المراقبة فقلت له لم لا تسمع كلام عبد الرزاق؟ قال : أنا أسمع كلام الرزاق وأنت تدعوني إلى عبد الرزاق، فقلت له : إن كنت صادقاً فأخبرني من أنا؟ فقال : أنت الخضر ؛ فللَّه عباد قد بدلوا الحياة الفانية بالحياة الباقية وذلك ببذل الكل وإفنائه في تحصيل الوجود الحقاني وعملوافي الله بإسقاط ملاحظة الدارين، فكوشفوا عن صور الأكوان وحقائق المعاني.
وعن قدوة العارفين الشيخ عبد الله القرشي رحمه الله قال : دخلت مصر في أيام الغلاء الكبير فعزمت أن ادعو الله لرفعه، فنوديت بالمنع فسافرت إلى الشام، فلما دنوت من قبل خليل الله تلقاني الخليل عليه السلام، فقلت يا خليل الله اجعل ضيافتي الدعاء لأهل مصر، فدعا لهم ففرج الله عنهم.
فقال الإمام اليافعي : قول الشيخ تلقاني الخليل حق لا ينكره إلا جاهل بمعرفة ما يرد عليهم من الأحوال التي يشاهدون فيها ملكوت السموات.
ثم اعلم أن جميع الأنبياء أمروا بالإيمان وإخلاص العبادة، والإيمان يقبل البلى كما دل عليه قوله عليه السلام :"جددوا إيمانكم بقول لا إله إلا الله" وذلك بزوال الحب فلا بد من تجديد عقد القلب بالتوحيد، وكلمة التوحيد مركبة من النفي والإثبات فتنفى ما سوى المعبود وتثبت ما هو المقصود، ويصل الموحد إلى كمال الشهود، وحصول ذلك بنور التلقين والكينونة مع أهل الصدق واليقين، وأقل الأمر ملازمة المجالس وربط القلب بواحد منهم نسأل الله تعالى أن يوفقنا لتحصيل المناسبة المعنوية بعد المجالسة الصورية إنه وهاب العطايا فياض المعاني والحقائق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٠
يا صَـاحِبَىِ السِّجْنِ} الإضافة بمعنى في كما سبق.
والمعنى بالفارسية (اي ياران زندان).
أما أحدكما وهو الشرابي ولم يعينه لدلالة لتعبير عليه.
فيسقى (بياشاماند) ربه سيده خمراً كما كان يسقيه قبل روى أنه عليه السلام قال له : أما ما رأيت من الكرمة وحسنها فهو الملك وحسن حالك عنده، أو قال له ما أحسن ما رأيت أما حسن الحبلة، وهي أصل من أصول الكرم فهو حسن حالك وسلطانك وعزك وأما القضبان الثلاثة، فثلاثة أيام تمضي في السجن ثم يوجه الملك إليك عند انقضائهن فيردك إلى عملك فتصير كما كنت بل أحسن وأما الآخر وهو الخباز فيصلب فتأكل الطير من رأسه (ازكله سروى).
روى أنه عليه السلام قال له : بئس ما رأيت أما خروجك من المطبخ فخروجك من عملك وأما السلال الثلاثة فثلاثة أيام تمر ثم يوجه الملك إليك عند انقضائهن فيصلبك فتأكل الطير من رأسك.
وفي الكواشي : أكل الطير من أعلاها إخراجه في اليوم الثالث.
قضى الأمر فرغ منه وأتم وأحكم وهو ما رأياه من الرؤيين وإسناد القضاء إليه مع أنه من أحوال مآله وهو نجاة أحدهما وهلاك الآخر لأنه في الحقيقة عين ذلك المآل وقد ظهر في عالم المثال بتلك الصورة الذي فيه تستفتيان تطلبان فتواه وتأويله روى أنه لما عبر رؤياهما جحدا وقالا ما رأينا شيئاً، فأخبر أن ذلك كائن صدقتما أو كذبتما، ولعل الجحود من الخباز ؛ إذ لا داعي إلى جحود الشرابي إلا أن يكون ذلك لمراعاة جانبه فكان كما عبر يوسف حيث أخرج الملك صاحب الشراب ورده إلى مكانه وخلع عليه وأحسن إليه لما تبين عنده حاله في الأمانة، وأخرج الخباز ونزع ثيابه وجلده بالسياط حتى مات لما ظهر عنده خيانته وصلبه
٢٦٢
على قارعة الطريق، وأقبلت طيور سود فأكلت من رأسه وهو أول من استعمل الصلب ثم استعمله فرعون موسى كما حكى عنه من قوله : لأصلبنكم في جذوع النخل}(طه : ٧١) ـ ـ وروى ـ ـ أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما رجع من غزوة بدر إلى المدينة ومر بعرق الظبية وهي شجرة يستظل بها أمر فصلب عقبة بن أبي معيط من الأسارى وهو أول مصلوب من الكفار في الإسلام وكان يفترى على رسول الله في مكة وبزق مرة في وجهه والصلب أصعب أنواع أسباب الهلاك لانحباس النفس في البدن ويفعله الحاكم بحسب ما رأى في بعض المجرمين تشديداً للجزاء وليكون عبرة للناس.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٢
والإشارة : إما النفس فسقى الروح خمراً، وهو ما خامر العقل مرة من شراب الشهوات واللذات النفسانية وتارة بأقداح المعاملات والمجاهدات شراب الكشوف والمشاهدات الربانية وهي باقية في خدمة ملك الروح أبداً، وأما البدن فيصلب بحبل الموت فتأكل طير أعوان الملك من رأسه الخيالات الفاسدة التي جمعت في أم دماغه.
واعلم : أن الموت أشد شيء وأن المرء ينقطع عنده عن كل شيء ولا يبقى معه إلا ثلاث صفات صفاء القلب وأنسه بذكر الله وحبه، ولا يخفى إن صفاء القلب وطهارته عن أدناس الدنيا لا تكون إلا مع المعرفة، والمعرفة لا تكون إلا بدوام الذكر والفكر، وخير الأذكار التوحيد وفي الحديث :"ذكر الله علم الإيمان، وبراءة من النفاق، وحصن من الشيطان، وحرز من النار".
قال المولى الجامي :
دلت آيينه خداي نماست
روى آيينه توتيره راست
صيقلى داري صيقلي ميزن