قال بعض أرباب التأويل : أن قول نسوة القوى حاشوقول امرأة العزيز التي هي النفس الأمارة الآن حصحص الحق إشارة إلى تنور النفس والقوي بنور الحق واتصافها بصفة الأنصاف والصدق، وحصول ذلك إنما هو بتكميل الأسماء السبعة أو الاثني عشر في سجن الخلوة، فإن القلب بهذه الخلوة والتكميل يصل إلى نور الوحدة ويحصل للنفس التزكية والاطمئنان والإقرار بفضيلة القلب وصدقه وبراءته فإن من كمال اطمئنان النفس اعترافها بالذنب واستغفارها مما فرط منها حالة كونها أمارة، والصدق في الأعمال كونها موافقة لرضى الله تعالى وخالية عن الأغراض وفي الأحوال كونها على وفق رضي الله تعالى وطاهرة عن الصفات النفسانية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٠
﴿ذَالِكَ﴾ من كلام يوم يوسف أي طلب البراءة أو ذلك التثبت والتشمر لظهور البراءة.
قال الكاشفي؟ (ملك يوسف رايغام دادكه زنان بكناه معترف شدند بياتاً بحضور تو ايشانرا عقوبت كنم يوسف فرمودكه غرض من عقوبت نبود اين خواست براي آن كردم كه) ليعلم أي العزيز إني لم أخنه في حرمه لأن المعصية خيانة بالغيب بظهر الغيب وهو حال من الفاعل أي لم أخنه وأنا غائب عنه خفي على عينه أو من المفعول أي وهو غائب عني خفي عن عيني أو ظرف أي بمكان الغيب أي وراء ستار والأبواب المغلقة وأن الله أي : وليعلم أن الله لا يهدي كيد الخائنين أي لا ينفذه ولا يسدده بل يبطله ويزهقه، كما لم يسدد كيد امرأته حتى اقرت بخيانة أمانة زوجها، وسمى فعل الخائن كيداً لأن شأنه أن يفعل بطريق الاحتيال والتلبيس فمعنى هداية الكيد إتمامه وجعله مؤدياً إلى ما قصد به، وفيه تعريض بامرأة العزيز في خيانتها أمانته، وبنفس العزيز في خيانة أمانة الله حين ساعدها على حبس يوسف بعد ما رأوا الآيات نزاهته ويجوز أن يكون ذلك لتأكيد أمانته لأنه لو كان خائناً لما هدى الله أمره وأحسن عاقبته.
وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يوصل عباده الصادقين بعد الغم إلى السرور ويخرجهم من الظلمات إلى النور.
قال
٢٧٣
بعضهم : كنت أقرأ الحديث من الشيخ أبي حفص وكان بقربنا جانوت عطار فجاء رجل فأخذ منه العطر بعشرة دراهم فسقط من يده ففزع الرجل فقلنا تفزع على يسير من الدنيا قال لو فزعت على الدنيا لفزعت حين سقط مني ثلاثة آلاف دينار مع جوهرة قيمتها كذلك ولكن الليلة ولد ولد لي فكلفت بلوازمه ولم يكن لي غير هذه العشرة وقد ضاعت فلم يبق لي غير الفرار ففزعي لفراق الأهل والأولاد، فسمع جندي قوله فاخرج كيساً فيه الدنانير والجوهرة بالعلامة التي أخبر بها الرجل ولم يؤخذ منه شيء، فسبحان من ابتلى عبده أولاً بالشدائد ثم أنجاه قال المولى الجامي :
درين دهر كهن رسميست ديرين
كه بي تلخى نباشد عيش شيرين
خورد نه ماه طفلي در رحم خود
كه آيد بارخ ون ماه بيرون
بساسختي كه بيند لعل درسنك
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٣
كه خورشيد در خشانش دهدرنك
وفي الآية، دلالة على أن الخيانة من الصفات الذميمة، كما أن الأمانة من الخصائل المحمودة فالصلاة والصوم والوزن والكيل والعبيد والإماء والودائع كلها أمانات وكذا الإمامة والخطابة والتأذين ونحوها أمانات يلزم على الحكام تأديتها بأن يقلدوها أرباب الاستحقاق، ثم في الوجود الأنفسي أمانات مثل السمع والبصر واليد والرجل ونحوها وكل أولئك كان عنه مسئولاً، والقلب أمانة فاحفظه عن الميل إلى ما سوى المولى.
قال الصائب :
ترا بكوهر دل كرده اند امانتدار
زدزد امانت حق رانكاه دار مخسب
فمن تيقن أنه تعالى حاضر لديه ناظر عليه، لم يجترىء على سوء الأدب بموافقة النفس التي هي منبع القباحة والخيانة وحكي أن شاباً كان له رائحة طيبة فقيل له لك مصرف عظيم في تلك الرائحة فقال هي عطاء من الله تعالى وذلك إن امرأة أدخلتني بحيلة في بيتها وراودتني فلطخت نفسي وثيابي بالنجاسة فخلتني بظن الجنون، فأعطاني الله تعالى تلك الرائحة، ورأى الشاب في المنام يوسف الصديق، فقال له طوبى لك حيث خلصك الله من كيد امرأة العزيز، فقال عليه السلام : طوبى لك خلصك الله من تلك المرأة بدون هم منك، وقد صدر مني هم، أي هجوم الطبيعة البشرية وإن لم يكن هناك وجود مقتضاها نسأل الله العصمة والتوفيق في الدارين.
وما أبرىء نفسي من كلام يوسف عليه السلام أي لا أنزهها عن السوء ولا أشهد لها بالبراءة الكلية قاله تواضعاًتعالى وهضماً لنفسه الكريمة لا تزكية لها وعجباً بحاله في الأمانة، ومن هذا القبيل قوله عليه السلام : أنا سيد ولد آدم ولا فخر لي أو تحديثاً بنعمة الله تعالى عليه في توفيقه
٢٧٤


الصفحة التالية
Icon