ومن كل الثمرات متعلق بقوله : جعل فيها زوجين اثنين اثنين تأكيد للزوجين كما هو دأب العرب في كلامهم، أي : وخلق فيها من جميع أنواع الثمرات زوجين زوجين كالحلو والحامض والأسود والأبيض والأصفر والأحمر والصغير والكبير.
يغشى الليل النهار أي يجعل الليل غاشياً يغشى النهار بظلمته فيذهب بنور النهار أي يجعله مستوراً بالليل ويغطيه بظلمته ولم يذكر العكس اكتفاء بأحد الضدين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥
قال البيضاوي : يلبسه مكانه فيصير الجوّ مظلماً بعد ما كان مضيئاً يعني إن الإغشاء إلباس الشيء الشيء ولما كان إلباس الليل النهار وتغطية النهار به غير معقول لأنهما متضادان لا يجتمعان واللباس لا بد أن يجتمع مع اللابس قدر المضاف وهو مكانه ومكان النهار هو الجو وهو الذي يلبس ظلمة الليل، شبه أحداث الظلمة في الجو الذي هو مكان الضوء بإلباسها إياه وتغطيه بها فأطلق عليه اسم الأغشاء والإلباس فاشتق منه لفظ يغشى فصار استعارة تبعية.
إن في ذلك أي : في كل من الأرض والجبال والأنهار والثمار والملوين.
لآيات تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره.
أما في الأرض : فمن حيث هي ممدودة مدحوة كالبساط لما فوقها وفيها المسالك والفجاج للماشين في مناكبها وغير ذلك مما فيها من العيون والمعادن والدواب مثلاً.
وأما الجبال : فمن جهة رسوها وعلوها وصلابتها وثقلها وقد أرسيت الأرض بها كما يرسى البيت بالأوتاد.
وأما الأنهار : فحصولها في بعض جوانب الجبال دون بعض لا بد أن يستند إلى الفاعل المختار الحكيم.
وأما الثمار : فالحبة إذا وقعت في الأرض وأثرت فيها نداوة الأرض ربت وكبرت وبسبب ذلك ينشق أعلاها وأسفلها فتخرج من الشق الأعلى الشجرة الصاعدة، وتخرج من الشق الأسفل العروق الغائصة في أسفل الأرض وهذا من العجائب لأن طبيعة تلك الحبة واحدة وتأثير الطبائع والأفلاك والكواكب فيها واحد ثم إنه خرج من أحد جانبي تلك الحبة جرم صاعد إلى الهواء ومن الجانب الآخر منها جرم غائص في الأرض، ومن المحال أن يتولد من طبيعة واحدة طبيعتان متضادتان فعلمنا أن ذلك إنما كان بسبب تدبير المدبر الحكيم، ثم إن الشجرة النابتة من تلك الحبة بعضها يكون خشباً وبعضها يكون نورة، وبضعها يكون ثمرة ثم إن تلك الثمرة، أيضاً يحصل فيها أجسام مختلفة الطبائع، فالجوز له أربعة أنواع من القشور، قشره الأعلى، وتحته القشرة الخشبية، وتحته القشرة المحيطة باللب، وتحت تلك القشرة قشرة أخرى في غاية الرقة تمتاز عما فوقها حال كون الجوز واللوز رطباً، وأيضاً قد يحصل في الثمرة الواحدة الطبائع المختلفة فالعنب مثلاً
٣٣٩
وعجمه باردان يابسان، ولحمه وماؤه حاران رطبان، فتولد هذه الطبائع المختلفة من الحبة الواحدة مع تساوي تأثيرات الطبائع وتأثيرات الأنجم والأفلاك لا بد وأن يكون لأجل تدبير الحكيم القدير، وأما الملوان فلا يخفى ما في اختلافهما ووجودهما من الآية أي الدلالة الواضحة.
لقوم يتفكرون فيستدلون، والتفكر تصرف القلب في طلب معاني الأشياء وكما أن في العالم الكبير أرضاً وحبالاً ومعادن وبحاراً وأنهاراً وجداول وسواقي فكذلك في الإنسان الذي هو العالم الصغير مثله، فجسده كالأرض وعظامه كالجبال ومخه كالمعادن وجوفه كالبحر وأمعاؤه كالأنهار وعروقه كالجداول وشحمه كالطين وشعره كالنبات ومنبت الشعر كالتربة الطيبة وأنسه كالعمران وظهره كالمفاوز ووحشته كالخراب وتنفسه كالرياح وكلامه كالرعد وأصواته كالصواعق وبكاؤه كالمطر وسروره كضوء النهار وحزنه كظلمة الليل ونومه كالموت ويقظته كالحياة وولادته كبدء سفره وأيام صباه كالربيع وشبابه كالصيف وكهولته كالخريف وشيخوخته كالشتاء وموته كانقضاء مدة سفره والسنون من عمره كالبلدان والشهور كالمنازل والأسابيع كالفراسخ وأيامه كالأميال وأنفاسه كالخطى فكلما تنفس نفساً كان يخطو خطوة إلى أجله فلا بد من التفكر في هذه الأمور.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥
ويقال : أخلاق الأبدال عشرة أشياء : سلامة الصدور، وسخاوة في المال، وصدق اللسان، وتواضع النفس، والصبر في الشدة، والبكاء في الخلوة، والنصيحة للخلق، والرحمة للمؤمنين، والتفكر في الأشياء، وعبرة من الأشياء.
وعن النبي عليه السلام أنه مر على قوم يتفكرون فقال لهم تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق كذا في تنبيه الغافلين وفي المثنوى :
بى تعلق نيست مخلوقي بدو
آن تعلق هست بيون اي عمو
اين تعلق را خرد ون ره برد
بسته وصلست وفصلست اين خرد
زين وصيت كرد مارا مصطفى
بحث كم جوئيد درذات خدا
آنكه درذاتش تفكر كرد نيست
در حقيقت آن نظر در ذات نيست
هست آن ندار اوزيرا براه
صد هزاران رده آمد تا اله
هريكي در رده موصول جوست
وهم او آنست كان خود عين هوست
س يمبر دفع كرد اين وهم ازو
تانباشد در غلط سودا ز او
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥


الصفحة التالية
Icon