[البقرة : ٢٠١-٣٧]﴿رَبَّنَا﴾ (اي رورد كارما) والجمع لأن الآية متعلقة بذريته فالتعرض لوصف ربوبيته تعالى لهم أدخل في القبول إني أسكنت من ذريتي أي بعض ذريتي وهم إسماعيل ومن ولد منه فإن اسكانه متضمن لإسكانهم.
بواد غير ذي زرع}(الزمر : ٢٨) هو وادي مكة فإنها حجرية لا تنبت أي لا يكون فيها شيء من زرع قط كقوله تعالى :﴿قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ﴾ بمعنى لا يوجد فيه اعوجاج وما فيه إلا الاستقامة لا غير.
وفي تفسير الشيخ لأنها : واد بين جبلين لم يكن بها ماء ولا حرث.
وفي بحر العلوم وأما في زماننا فقد رزق الله أهله ماء جارياً عند بيتك المحرم ظرف لاسكنت كقولك صليت بمكة عند الركن وهو الكعبة والاضافة للتشريف وسمى محرماً لأنه عظيم الحرمة حرم الله التعرض له بسوء يوم خلق السماوات والأرض وحرم فيه القتال والاصطياد، وأن يدخل فيه أحد بغير إحرام ومنع عنه الطوفان فلم يستول عليه ولذلك سمى عتيقاً لأنه أعتق منه.
وفي التأويلات النجمية عند بيتك المحرم وهو القلب المحرم أن يكون بيتاً لغير الله كما قال : لا يسعني أرضي ولا سمائي وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن.
آنكه ترا كوهر كنجينه ساخت
كعبه جان در حرم سينه ساخت
ربنا كرر النداء لإظهار كمال العناية بما بعده ليقيموا الصلوة اللام لام كي متعلقة باسكنت أي ما اسكنتهم بهذا الوادي البلقع الخالي من كل مرتفق ومرتزق إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرم لدلالة قوله : بواد غير ذي زرع على أنه لا غرض له دنيوي في إسكانهم عند
٤٢٦
البيت المحرم وتخصيص الصلاة بالذكر من بين سائر شعائر الدين لفضلها ولأن بيت الله لا يسعه إلا الصلاة وما في معناه وهي الأصل في إصلاح النفس وكان قريش يمتنعون عن ذلك لزيادة كبرهم فاجعل أفئدة من الناس جمع فؤاد وهي القلوب ومن للتبعيض تهوي إليهم تسرع إليهم شوقاً وتطير نحوهم محبة، يقال هوى يهوى من باب ضرب هوياً وهوياً سقط من علو إلى سفل سرعة.
وأيضاً صعد وارتفع كما في كتب اللغة، وأما ما يكون من باب علم فهو بمعنى أحب يقال هوية هوى فهو هو أحبه وتعديته بإلى لتضمنه معنى الشوق والنزوع.
والمعنى بالفارسية (س نكردان دلهاى بعضي از مردمان راكه بكشش محبت بشتابند بسوى ايشان) أي : إسماعيل وذريته وهم المؤمنون ولو قال أفئدة الناس بدون من التبعيضة لازدحمت عليهم فارس والروم والترك والهند.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٥
آنراكه نان جمال باشد
كردل ببرد حلال باشد
وآنكس كه براننان جمالى
عاشق نشود وبال باشد
قال المولى الجامي قدس سره :
رو بحرم نه كه بران خوش حريم
هست سيه بوش نكارى مقيم
قبله خوبان عرب روى او
سجده شوخان عجم سوى او
وارزقهم أي ذريتي الذين أسكنتهم هناك أو مع من ينحاز إليهم من الناس وإنما لم يخص الدعاء بالمؤمنين، كما في قوله : وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر اكتفاء بذكر إقامة الصلاة : من الثمرات من أنواعها بأن يجعل بقرب منه قرى يحصل فيها ذلك أو يجبي إليه من الأقطار البعيدة وقد حصل كلاهما حتى إنه يجتمع فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد روى عن ابن عباس أن الطائف وهي على ثلاث مراحل من مكة كانت من أرض فلسطين فلما دعا إبراهيم بهذه الدعوة رفعها الله ووضعها رزقاً للحرم لعلهم يشكرون تلك النعمة بإقامة الصلاة وأداء سائر مراسم العبودية.
يقول الفقير : اختلف العلماء في أن هذا الدعاء بعد بناء البيت أو قبل أول ما قدم مكة ويؤيد الأول قوله : رب اجعل هذا البلد فإن الظاهر إن الإشارة حسية وقوله : عند بيتك المحرم وقوله : الحمدالذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق}(إيراهيم : ٣٩) فإن إسحاق لم يكن موجوداً قبل البناء.
وقال بعضهم : الإشارة في هذا البلد إلى الموجود في الذهن قبل تحقق البلدية فإن الله لما أبان موضعه صحت إشارته إليه والمسؤول توجيه القلوب إلى الذرية للمساكنة معهم لا توجيهها إلى البيت للحج فقط وإلا لقيل تهوي إليه وهو عين الدعاء بالبلدية.
يقول الفقير : فيه نظر لأنه لم لا يجوز أن يكون المعنى على حذف المضاف أي تهوي إلى موضعهم الشريف للحج وقد أشار إليه في التيسير حيث قال عند قوله :﴿تَهْوِى إِلَيْهِمْ﴾ حبب هذا البيت إلى عبادك ليأتوه فيحجوه.
قال في الإرشاد : تسميته إذ ذاك بيتاً ولم يكن له بناء وإنما كان نشزاً أي مكاناً مرتفعاً تأتيه السيول فتأخذ ذات اليمين وذات الشمال باعتبار ما كان من قبل فإن تعدد بناء الكعبة المعظمة مما لا ريب فيه وإنما الاختلاف في كمية عدده، كما قال الكاشفي عند
٤٢٧
قوله : بيتك المحرم (مراد موضع خانه ضراح است كه درزمان آدم بوده واكرنه بوقت دعاء إبراهيم خانه نبوده والضراح كغراب البيت المعمول في السماء الرابعة كما في القاموس.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٥


الصفحة التالية
Icon