قال الفضيل بن عياض رحمه الله : إني لا أغبط ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً ولا عبداً صالحاً أليس هؤلاء يعاينون القيامة وأهوالها وإنما أغبط من لم يخلق لأنه لا يرى أهوال القيامة وشدائدها.
قال أبو بكر الواسطي رحمه الله : الدول ثلاث دولة في الحياة ودولة عند الموت ودولة يوم القيامة.
فأما دولة الحياة فبان يعيش في طاعة الله، ودولة الموت بأن تخرج روحه مع شهادة أن لا إله إلا الله، وأما دولة النشر، فحين يخرج من قبره فيأتيه البشير بالجنة جعلنا الله وإياكم من أهل هذه الدولة الثلاث التي لا دولة فوقها في نظر أهل السعادة والعناية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٩
﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ الحسبان بالكسر بمعنى الظن والغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور، والظالمون أهل مكة وغيرهم من كل أهل شرك وظلم، وهو خطاب لرسول الله والمراد تثبيته على ما كان عليه من عدم حسبانه تعالى، كذلك نحو قوله تعالى : ولا تكونن من المشركين}(يونس : ١٠٥) مع ما فيه من الإيذان لكونه واجب الاحتراز عنه في الغاية حتى نهى من لا يمكن تعاطيه.
والمعنى دم على ما كنت عليه من عدم حسبانه تعالى غافلاً عن أعمالهم ولا تحزن بتأخير ما يستوجبونه من العذاب الأليم ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ﴾ ليوم تعليل للنهي، أي لا يؤخر عذابهم إلا لأجل يوم هائل.
تشخص فيه الأبصار ترتفع فيه أبصار أهل الموقف أي تبقى أعينهم مفتوحة لا تتحرك أجفانهم من هول ما يرونه، يعني : أن تأخيره للتشديد والتغليظ لا للغفلة عن أعمالهم ولا لإهمالهم، يقال شخص بصر فلان، كمنع وأشخصه صاحبه إذا فتح عينيه ولم يطرف بجفنيه.
مهطعين حال مقدرة من مفعول يؤخرهم، أي : مسرعين إلى الداعي مقبلين عليه بالخوف والذل والخشوع كإسراع الأسير والخائف.
وبالفارسية.
(بشتابند بسوى إسرافيل كه ايشانرا بعرصه محشر خواند) يقال اهطع البعير في السير إذا أسرع.
مقنعي رؤوسهم أي : رافعيها مع إدامة النظر من غير التفات إلى شيء.
قال في تهذيب المصادر : الاقناع أن يرفع رأسه ويقبل بطرفه إلى ما بين يديه.
وعن الحسن وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد لا يرتد إليهم طرفهم لا يرجع إليهم تحريك أجفانهم حسب ما يرجع إليهم كل لحظة بل تبقى أعينهم مفتوحة لا تطرف أي لا تضم.
وفي الكواشي : أصل الطرف تحريك الجفون في النظر ثم سميت العين طرفاً مجازاً، والمعنى أنهم لا يلتفتون ولا ينظرون مواقع أقدامهم لما بهم انتهى.
وأفئدتهم قلوبهم هواء خالية من العقل والفهم لفرط الحيرة والدهش كأنها نفس الهواء الخالي عن كل شاغل.
وفي الكواشي : تلخيصه، الأبصار شاخصة والرؤوس مقنعة، والقلوب فارغة زائلة لهول ذلك اليوم ثبتك الله وإيانا فيه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣١
والآية تسلية لرسول الله وتعزية للمظلوم وتهديد للظالم.
قال أحمد بن حضرويه : لو أذن لي في الشفاعة ما بدأت إلا بظالمي قيل له وكيف؟ قال : لأني نلت به ما لم أنله بوالدي قيل : وما ذاك قال تعزية الله في قوله : ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون.
وفي المثنوى :
٤٣١
آن يكى واعظ و بر تخت آمدى
قاطعان راه را داعي شدي
دست برمى داشت يا رب رحم ران
بربدان ومفسدان وطاغيان
برهمه تسخر كنان اهل خير
برهمه كافر دلان واهل دير
او نكردي آن دعا براصفيا
مى نكردي جز خبيثا نرا دعا
مرورا كفتند كين معهود نيست
دعوت اهل ضلالت جود نيست
كفت نيكويى ازينها ديده ام
من دعاشان زين سبب بكزيده ام
كفت نيكويى ازينها ديده ام
من دعاشان زين سبب بكزيده ام
خبث وظلم وجور ندان ساختند
كه مرا ازشر بخير انداختند
هر كهى كه رو بدنيا كرد مى
من ازيشان زخم وضربت خوردمى
كردمى از زخم آن جانب ناه
باز آوردندمى كر كان براه
ون سبب ساز صلاح من شدند
س دعاشان برمنست اي هوشمند
وفي الكواشي : واستدل بعضهم على قيام الساعة بموت المظلوم مظلوماً قالوا وجد على جدار الصخرة :
نامت عيونك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
قال السعدي قدس سره :
نخفتست مظلوم ازآهش بترس
زدود دل صبحكاهش بترس
نترسى كه اك اندروني شبى
بر آرد سوز جكر يا ربي
نمى ترسى ازكرك ناقص خرد
كه روزي لنكيت برهم درد
والإشارة : ولا تحسبن الله غافلاً أي في الأزل عما يعمل الظالمون اليوم، يعني : كل عمل يعمله الظالمون لم يكن الله غافلاً عنه في الأزل بل كل ذلك كان بقضائه وقدره وإرادته مبنياً على حكمته البالغة جعل سعادة أهل السعادة وشقاوة أهل الشقاوة مودعة في أعمالهم والأعمال مودعة في أعمارهم ليبلغ كل واحد من الفرقتين على قدمي أعمالهم الشرعية والطبيعية إلى منزل من منازل السعداء ومنزل من منازل الأشقياء يوم القيامة فلذا أخر الظالمين ليزدادوا إثماً يبلغهم منازل الأشقياء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣١


الصفحة التالية
Icon