وفي التأويلات وترى المجرمين وهم أرواح أجرموا إذا تبعوا النفوس ووافقوها في طلب الشهوات والإعراض عن الحق يومئذٍ، أي : يوم التجلي مقيدين في النفوس بقيود صفاتها الذميمة الحيوانية ولا يستطيعون للبروز والخروجسرابيلهم من قطران المعاصي وظلمات النفوس وهم محجوبون بها عن الله وتغشى وجوههم نار الحسرة والقطيعة والحرمان، ليجزي الله كل نفس، أي : كل روح بما كسبت من صحبة النفس وموافقتها إن الله سريع الحساب، أي : يحاسب الأرواح بالسرعة في الدنيا ويجزيهم بما كسبوا في متابعة النفوس من العمى والصمم والجهل والغفلة والبعد وغير ذلك من الآفات قبل يوم القيامة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣٧
هذا القرآن بما فيه من فنون العظات والقوارع بلاغ للناس كفاية لهم في الموعظة والتذكير.
قال في القاموس : البلاغ كسحاب الكفاية ولينذروا به عطف على مقدر واللام متعلقة بالبلاغ أي كفاية لهم في أن ينصحوا وينذروا به.
وفي التأويلات : أي لينتبهوا بهذا البلاغ قبل المفارقة عن الأبدان فينتفعوا به فإن الانتباه.
بالموت لا ينفع.
وليعلموا بالتأمل فيما فيه من الآيات إنما هو إله واحد (آنكه اوست خداي يكتا) أي : لا شريك له فيعبدوه ولا يعبدوا الها غيره من الدنيا والهوى والشيطان وما يعبدون من دون الله.
وليذكر
٤٣٧
أولوا الألباب أي لتذكروا ما كانوا يعملون من قبل من التوحيد وغيره من شؤون الله ومعاملته مع عباده فيرتدعوا عما يرديهم من الصفات التي يتصف بها الكفار ويتدرعوا بما يحصنهم من العقائد الحقة والأعمال الصالحة.
قال البيضاوي اعلم أنه سبحانه ذكر لهذا البلاغ ثلاث فوائد هي الغاية، والحكمة في إنزال الكتب تكميل الرسل للناس واستكمال القوة النظرية التي منتهى كمالها التوحيد واستصلاح القوة العملية التي هو التدرع بلباس التقوى.
قال في بحر العلوم : وليذكر أولوا الألباب أي وليتعظ ذووا العقول فيختاروا الله ويتقوه في المحافظة على أوامره ونواهيه وبذلك وصى جميع أولى الألباب من الأولين والآخرين قال الله تعالى : ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}(النساء : ١٣١) ويكفيهم ذلك عظة أن اتعظوا، والعقول في ذلك متفاوتة فيجزى كل أحد منهم على قدر عقله قال النبي صلى الله عليه وسلّم "إن في الجنة مدينة من نور لم ينظر إليها ملك مقرب ولا نبي مرسل جميع ما فيها من القصور والغرف والأزواج والخدام من النور أعدها الله للعاقلين فإذا ميز الله أهل الجنة من أهل النار ميز أهل العقل فجعلهم في تلك المدينة فيجزى كل قوم على قدر عقولهم فيتفاوتون في الدرجات كما بين مشارق الأرض ومغاربها بألف ضعف".
يقول الفقير : أشير بالعقلاء ههنا إلى من اختاروا الله على غيره وإن كانوا متفاوتين في مراتبهم بحسب تفاوت عقولهم وعلومهم بالله وهم المرادون فيما ورد "أكثر أهل الجنة البله" والعقلاء في عليين فالأبله وهو من اختار الجنة ونعيمها دون من اختار الله وقربه في المرتبة فإنه العابد بالمعاملات الشرعية وهذا العارف بالأسرار الإلهية والعارف فوق العابد ألا ترى أن مقامه من نور ومقام العابد من الجوهر والنور فوق الجوهر في اللطافة.
قال الكمال الخجندي :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣٧
نيست ما راغم طوبى وتمناى بهشت
شيوه مردم نا اهل بودهمت ست
وقال المولى الجامي :
يا من ملكوت كل شيء بيده
طوبى لمن ارتضاك ذخره الغده
اين س كه دلم جز توندارد كامى
توخواه بده كام دلم خوا مده
٤٣٨
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣٧


الصفحة التالية
Icon