وقال النووي : هو عند أصحابنا مكروه وليس بحرام قيد العراقي ذلك في شرح الترمذي بالحلف بغير اللات والعزى وملة الإسلام فأما الحلف بنحو هذا فحرام والحكمة في النهي عن الحلف بغير الله تعالى أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به، وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى لا يضاهي بها غيرها وقسمه تعالى بما شاء من مخلوقاته تنبيه على شرف المحلوف به فهو سبحانه ليس فوقه عظيم يحلف به فتارة يحلف بنفسه وتارة بمخلوقاته كما في "الفتح القريب".
ويمكن أن يكون المراد بقولهم لعمري وأمثاله ذكر صورة القسم لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط لأنه أقوى من سائر المؤكدات وأسلم من التأكيد بالقسم بالله تعالى لوجوب البر به وليس الغرض اليمين الشرعي وتشبيه غير الله تعالى به في التعظيم وذكر صورة القسم على هذا الوجه لا بأس به كما قال عليه السلام :"قد أفلح وأبيه" كذا في "الفروق".
﴿فَأَخَذَتْهُمُ﴾ أي قوم لوط الصيحة أي : صيحة جبريل عليه السلام.
مشرقين أي حال كونهم داخلين في وقت شروق الشمس وهو بالفارسية (بر آمدن خرشيد) وكان ابتداء العذاب حين أصبحوا، كما قال : إن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين وتمامه حين أشرقوا لأن جبريل قلع الأرضين بهم
٤٧٩
ورفعها إلى السماء ثم هوى بها نحو الأرض ثم صاح بهم صيحة عظيمة فالجمع بين مصبحين ومشرقين باعتبار الابتداء والانتهاء فمقطوع على حقيقة فإن دلالة اسمي الفاعل والمفعول على الحال، وحال القطع هو حال المباشرة لا حال انقضائه، لأنه مجاز حينئذٍ، وذلك أن تقول مقطوع بمعنى بقطع عن قريب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٧
﴿فَجَعَلْنَا عَـالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ (زبرآن شهر ستانهارا) زير آن يعني زيروبر كردانيم آنرا) وذلك بأن رفعناها إلى قريب من السماء على جناح جبريل ثم قلبناها عليهم فصارت منقلبة بهم.
وقوله عاليها مفعول أول لجعلنا وسافلها مفعول ثان له وهو أدخل في الهول والفظاعة من العكس.
وأمطرنا عليهم في تضاعيف ذلك قبل تمام الانقلاب.
حجارة كائنة من سجيل من طين متحجر عليه اسم من يرمى به فهلكوا بالخسف والحجارة.
قال في القاموس السجيل كسكيت حجارة كالمدر معرب (سنك كل) أو كان طبخت بنار جهنم وكتب فيها أسماء القوم أو قوله تعالى : من سجيل أي : من سجل مما كتب لهم إنهم يعذبون بها قال تعالى : وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم}(المطففين : ٨ ـ ـ ٩) والسجيل بمعنى السجين.
قال الأزهري هذا أحسن ما مر عندي وأبينها انتهى.
وفي "الكواشي" : وأمطرنا على شذاذهم، أي : على من غاب عن تلك البلاد.
﴿إِنَّ فِي ذَالِكَ﴾ أي فيما ذكر من القصة من تعرض قوم لوط لضيف إبراهيم طمعاً فيهم وقلب المدينة على من فيها وأمطار الحجارة عليها وعلى من غاب منهم.
لآيات لعلامات يستدل بها على حقيقة الحق ويعتبر للمتوسمين أي : المتفكرين المتفرسين الذين يبسطون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشيء وباطنه بسمته، وبالفارسية (مرخدا وندان فراست راكه بزيركى درنكرند وحقيقت ايشان بسمات آن بشناسند) يقال توسمت في فلان كذا، أي : عرفت وسمة فيه أي أثره وعلامته وتوسم الشيء تيره وتفرسه.
وإنها (وبدرستى كه آن شهر ستانهاى مؤتفكه) لبسبيل مقيم أي طريق ثابت يسلكه الناس ويرون آثار تلك البلاد بين مكة والشام لم تندرس بعد فاتعظوا بآثارهم يا قريش إذا أذهبتم إلى الشام لأنها في طريقكم.
إن في ذلك أي في كون آثار تلك القرى بمرآى من الناس يشاهدونها في ذهابهم وإيابهم.
لآية عظيمة للمؤمنين بالله ورسوله فإنهم الذين يعرفون أن ما حاق بهم من العذاب الذي ترك ديارهم بلاقع إنما حاق بهم لسوء صنيعهم وأما غيرهم فيحملون ذلك على الاتفاق أو الأوضاع الفلكية، وإفراد الآية بعد جمعها فيما سبق لما أن المشاهد ههنا بقية الآثار لا كل القصة كما فيما سلف.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٠
وقال في برهان القرآن : ما جاء في القرآن من الآيات فلجمع الدلائل، وما جاء من الآية فلوحدانية المدلول عليه فلما ذكر عقيبه المؤمنين وهم مقرون بوحدانية الله تعالى وحد الآية انتهى.
وفي الآيات فائدتان :
الأولى : مدح الفراسة وهي الإصابة في النظر وفي الحديث : إن كان فيما مضى قلبكم من الأمم محدثون المحدث بفتح الدال المشددة هو الذي يلقى في نفسه شيء فيخبر به فراسة ويكون كما قال وكأنه حدثه الملأ الأعلى وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء فإنه إن كان في أمتي هذه فإنه عمر بن الخطاب لم يرد النبي عليه السلام بقوله إن كان في أمتي التردد في ذلك لأن أمته أفضل الأمم وإذا وجد في غيرها محدثون ففيها أولى بل أراد بها التأكيد لفضل عمر كما يقال أن يكن لي صديق فهو فلان يريد بذلك اختصاصه
٤٨٠


الصفحة التالية
Icon