والأرض أي : الأرضين السبع بدليل قوله السموات وأفردت فأن السفليات واحدة بالأصل والذات وقوله تعالى : ومن الأرض مثلهن أول بالأقاليم السبعة كما في حواشي سعدى المفتى وبين المشرق والمغرب خمسمائة عام كما بين السماء والأرض، وأكثر الأرض مفازة وجبل وبحار والقليل منها العمران ثم أكثر العمران أهل الكفر والقليل منها أهل الإيمان والإسلام، وأكثر أهل الإسلام أهل البدع والإهواء، وكلها على الضلالة والباطل، والقليل منهم على الحق، وهم أهل السنة والجماعة، وحول الدنيا ظلمة ثم وراء الظلمة جبل قاف وهو جبل محيط بالدنيا من زمردة خضراء وأطراف السماء ملتصقة به ووسط الأرض كلها عامرها وخرابها قبة الأرض وهو مكان تعتدل فيه الأزمان في الحر والبرد ويستوي فيه الليل والنهار أبداً لا يزيد أحدهما على الآخر ولا ينقص، وأما الكعبة فهي وسط الأرض المسكونة وأرفع الأرضين كلها إلى السماء مهبط آدم عليه السلام بأرض الهند وهو جبل عال يراه البحريون من مسافة أيام، وفيه أثر قدم آدم مغموسة في الحجر، ويرى على هذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب ولا بد له في كل يوم من مطر يغسل قدمي آدم، وذروة هذا الجبل أقرب ذرى جبال الأرض إلى السماء كما في إنسان العيون في ستة أيام السموات في يومين والأرض في يومين وما عليها من أنواع الحيوان والنباتات وغير ذلك في يومين حسبما قيل في سورةحم السجدة ولم يذكر خلق ما في الأرض لكونه من تتمات خلقها.
والمراد في ستة أوقات على أن يكون المراد باليوم يوم الشأن وهو الآن، وهو الزمان الفرد الغير المنقسم وقد مر تحقيقه، أو في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة فأن الأيام في المتعارف زمان كون الشمس فوق الأرض ولا يتصور ذلك حين لا أرض ولا سماء، أو من أيام الآخرة كل يوم كألف سنة مما تعدون على ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي خلقها على التدريج مع أنه لو شاء لكان ذلك في أقل من لمح البصر حث على التأني في الأمور ولعل تخصيص ذلك بالعدد المعين باعتبار أصناف الخلق من الجماد والمعدن والنبات والحيوان والإنسان والأرواح.
وكان عرشه العرش في أصل اللغة السرير والعرش المضاف إليه تعالى عبارة عن مخلوق عظيم موجود هو أعظم المخلوقات.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٥
قال مقاتل : جعل الله تعالى للعرش أربعة أركان بين كل ركن وركن وجوه لا يعلم عددها إلا الله تعالى أكثر من نجوم السماء وتراب الأرض وورق الشجر ليس لطوله وعرضه منتهى لا يعلمه أحد إلا الله تعالى.
فإن قيل : لم خلق الله تعالى العرش وهو سبحانه لا حاجة له به؟
أجيب بوجوه.
أحدها أنه جعله موضع خدمة ملائكته لقوله تعالى : وترى الملائكة حافين من حول العرش}(الزمر : ٧٥).
وثانيها : أنه أراد إظهار قدرته وعظمته كما قال مقاتل : السموات والأرض في عظم الكرسي كحلقة في فلاة والكرسي مع السموات والأرض في عظم العرش كحلقة في فلاة وكلها في جنب عظمة الله تعالى كذرة في جنب الدنيا فخلقه كذلك ليعلم أن خالقه أعظم منه.
وثالثها : أنه خلق العرش إرشاداً لعباده إلى طريق دعوته ليدعوه من الفوق لقوله تعالى :﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ﴾ (النحل : ٥٠).
ورابعها : أنه خلقه لإظهار شرف محمد صلى الله عليه وسلّم وهو قوله تعالى :﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ (الإسراء : ٧٩) وهو مقام تحت العرش.
وخامسها : أنه جعله معدن كتاب الأبرار
٩٨
لقوله تعالى :﴿إِنَّ كِتَـابَ الابْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ﴾ (المطففين : ١٨) وفيه تعظيم لهم ولكتابهم.
وسادسها : أنه جعله مرآة الملائكة يرون الآدميين وأحوالهم كي يشهدوا عليهم يوم القيامة لأن عالم المثال والتمثال في العرش كالأطلس في الكرسي.
وسابعها : أنه جعله مستوى الاسم الرحمن أي : محل الفيض والتجلي والإيجاد والأحدي كما جعل الشرع الذي هو مقلوبه مستوى الأمر التكليفي الإرشادي لا مستوى نفسه تعالى الله عن ذلك ﴿عَلَى الْمَآءِ﴾ أي : العذب كما في إنسان العيون.
قال كعب الأحبار : أصله ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد من مخافة الله تعالى فلذلك يرتعد الماء إلى الآن وأن كان ساكناً ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها أي : ظهرها ثم وضع العرش على الماء وليس ذلك على معنى كون أحدهما على الآخر ملتصقاً بالآخر بل ممسك بقدرته كما في فتح القريب.
قال الأصم : هذا كقولهم السماء على الأرض وليس ذلك على سبيل كون إحداهما ملتصقة بالأخرى، فالمعنى وكان عرشه تعالى قبل خلق السموات والأرض على الماء لم يكن حائل محسوس بينهما وإنما قلنا محسوس فإن بين السماء والأرض حائلاً هو الهواء لكن لما لم يكن محسوساً لم يعد حائلاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٥