حتى خافوا على حبال السفينة فأوحى الله تعالى إلى نوح أن امسح جبهة الأسد فمسحهما فعطس فخرج منها سنوران فأكلا الفار وكثرت العذرة في السفينة، فشكوا إلى نوح فأوحى الله تعالى أن امسح ذنب الفيل فمسحه فخرج منه خنزيران فأكلا العذرة وفي خبر آخر خنزير واحد، ودل خبر وهب على أن الهرة كانت من قبل وهذا الخبر على إنها لم تكن من قبل إلا أن يقال : إن قصة التأليف وقعت بعد خروج الهرة من أنف الأسد والله أعلم [العنكبوت : ٣٣]﴿وَأَهْلَكَ﴾ عطف على زوجين والمراد امرأته المؤمنة فإنه كان له امرأتان أحدهما مؤمنة والأخرى كافرة وهي أم كنعان وبنوه ونساؤهم إلا من سبق عليه القول بأنه من المغرقين بسبب ظلمهم والمراد به ابنه كنعان وأمه واعلة فإنهما كانا كافرين والاستثناء منقطع إن أريد بالأهل الأهل إيماناً وهو الظاهر لقوله تعالى : إنه ليس من أهلك أو متصل أن أريد به الأهل قرابة ويكفي في صحة الاستثناء المعلومية عند المراجعة إلى أحوالهم والتفحص عن أعمالهم وجيء بعلى لكون السابق ضاراً لهم كما جيء باللام فيما هو نافع لهم في قوله تعالى : ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين}(الصافات : ١٧١) وقوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى﴾ (الأنبياء : ١٠١) ﴿وَمَنْ ءَامَنَ﴾ عطف على وأهلك أي : واحمل أهلك والمؤمنين من غيرهم وإفراد الأهل منهم للاستثناء المذكور وما آمن معه إلا قليل (وإيمان نياورده بودند وموافقت نكرده بانوح مكر اندكى ازمردمان) روى عن النبي عليه السلام أنه قال : كانوا ثمانية نوح وأهله وبنوه الثلاثة ونساؤهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٦
قال العتبي : قرأت في التوراة أن الله تعالى أوحى إليه أن أصنع الفلك وأدخل أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك ومن كل شيء من الحيوان زوجان اثنان فإني منزل المطر أربعين يوماً وليلة فأتلف كل شيء خلقته على وجه الأرض.
وعن مقاتل كانوا اثنين وسبعين رجلاً وامرأة وأولاد نوح ونساؤهم فالجميع ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان في سفينة نوح ثمانون رجلاً وامرأة أحدهم جرهم يقال : إن في ناحية الموصل قرية يقال : لها قرية الثمانين سميت بذلك لأنهم لما خرجوا من السفينة بنوها فسميت بهم.
والإشارة حتى إذا جاء أمرنا وهو حد البلاغة التي يكون العبد مأموراً بالركوب على سفينة الشريعة.
وفار التنور أي : يفور ماء الشهوة من تنور القالب.
قلنا احمل فيها في سفينة الشريعة.
من كل صفة من صفات النفس.
زوجين اثنين أي : كل صفة وزوجها كالشهوة وزوجها العفة، والحرص وزوجه القناعة، والبخل وزوجه السخاوة والغضب وزوجه الحلم، والحقد وزوجه السلامة، والعداوة وزوجها المحبة، والتكبر وزوجه التواضع، والتأني وزوجه العجلة، وأهلك أي : واحمل معك أهلك صفات الروح.
إلا من سبق عليه القول من النفس ومن آمن أي : آمن معك من القلب والسر.
وما آمن معه غالباً إلا قليل من صفات القلب فيه إشارة إلى أن كل ما كان من هذه الصفات وأزواجها في معزل عن سفينة الشريعة فهو غريق في طوفان الفتن، وهذا رد على الفلاسفة والإباحية فإنهم يعتقدون أن من أصلح أخلاقها الذميمة وعالجها بضدها من الأخلاق الحميدة فلا يحتاج إلى الركوب في سفينة الشرع ولا يعلمون أن الإصلاح والعلاج إذا صدرا من طبيعة لا يفيدان النجاة ؛ لأن الطبيعة لا تعلم كيفية الإصلاح والعلاج ولا مقدار تزكية النفس وتحليتها وإن كانت الطبيعة
١٢٨
واقفة على صلاح النفس وفسادها لعاجلتها في ابتداء أمرها وما كانت النفس محتاجة إلى طبيب عالم بالأمراض ومعالجتها وهم الأنبياء عليهم السلام حيث قال : هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته}(الجمعة : ٢) ليعلموا المرض من الصحة والداء من الدواء ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ فبالتزكية عن الصفات الطبيعية يستحقون تحلية أخلاق الشريعة الربانية، كذا في التأويلات النجمية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٦
﴿وَقَالَ﴾ أي : نوح لمن معه من المؤمنين بعد إدخال ما أمره بحمله في الفلك من الأزواج.
قال الكاشفي :(نوح ايشانرا بنزديك كشتى آورد وسر وشى كه ترتيب داده بود بالاي كشتى وشيد واز زمين آب عذاب جوشيدن كرفت واز آسمان آب بلا رود آمدن آغاز كرد) وروى إنه حمل معه تابوت آدم وجعله معترضاً بين الرجال والنساء.
اركبوا فيها أي : في السفينة وهو متعلق باركبوا وعدي بفي لتضمنه معنى ادخلوا وصيروا فيها راكبين.