قال ابن الكمال : الأهل خاصة الشيء وما ينسب إليه، ومنه قوله تعالى : إن ابني من أهلي وإن وعدك ذلك والوعد عبارة عن الأخبار بإيصال المنفعة قبل وقوعها.
الحق الثابت الذي لا يتطرق إليه الخلف ولا يشك في إنجازه والوفاء به، والظاهر أن هذا النداء كان قبل غرق ابنه فإن الواو لا تدل على الترتيب، والمقصود منه طلب نجاته لا طلب الحكمة في عدم نجاته حين حال الموج بينهما ولم يعلم بهلاكه بعد إما بتقريبه إلى الفلك بتلاطم الأمواج أو بتقريبها إليه، ومجرد حيلولة الموج بينهما لا يستوجب هلاكه فضلاً عن العلم به لظهور إمكان عصمة الله إياه برحمته والله على كل شيء قدير، ويؤيده ما في بحر الكلام أن ذكر المسألة أي : في قوله تعالى : فلا تسألن كما يستأتى دليل على أن النداء كان قبل أن يغرق حتى يخاف عليه وأنت أحكم الحاكمين أي : أعلم الحكام وأعدلهم، إذ لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل، وربَّ جاهل ظالم من متقلدي الحكومة في زمانك لقد لقب أقضى القضاة، ومعناه احكم الحاكمين فاعتبر واستعبر قال جار الله :
قضاة زماننا صاروا لصوصاً
عموماً في القضايا لا خصوصاً
خشينا منهمو لو صافحونا
للصوا من خواتمنا فصوصاً
وفي الحديث : القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به وأما الآخران فرجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار أي : لا يعرف الحق فيخلط الحلال بالحرام.
قال الشيخ السعدي :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٨
مها زور مندى مكن بر كهان
كه بر يك نمط مى نماند جهان
١٣٨
لب خشك مظلوم را كو بخند
كه دندان ظالم بخواهند كند
قال الله تعالى يا نوح إنه أي : ابنك ليس من أهلك الذين عمهم الوعد بالإنجاء لخروجه منهم بالاستثناء فإن مدار الأهلية هو القرابة الدينية ولا علاقة بين المؤمن والكافر.
وعن ابن عباس ومجاهد وعكرمة إنه ابنه غير أنه خالفه في العمل.
قال بعض الحكماء : الابن إذا لم يفعل ما فعل الأب انقطع عنه، والأمة إذا لم يفعلوا ما فعل نبيهم أخاف أن ينقطعوا عنه، فظهر أن لا فائدة في نسب من غير علم وعمل وفي فخر بمجرد الآباء.
قال السعدي قدس سره :
و كنعا نرا طبيعت بى هنر بود
يمبر زاده كي قدرش نيفزود
هنر بنماى اكر داري نه كوهر
كل از خارست وإبراهيم از آزر
وفي الحديث : يا بني هاشم لا يأتني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم والغرض تقبيح الافتخار لديه عليه السلام بالأنساب حين يأتي الناس بالأعمال :
وما ينفع الأصل من هاشم
إذا كانت النفس من باهله
وهي قبيلة معروفة بالدناءة لأنهم كانوا يأكلون نقي عظام الميتة إنه عمل غير صالح أصله إنه ذو عمل غير صالح فجعل نفس العمل مبالغة في مداومته على العمل الفاسد، ولم يقل عمل فاسد مع أنهما متلازمان للإيذان بأن النجاة إنما كانت بسبب الصلاح.
يقول الفقير : لاح لي حين المطالعة معنى آخر وهو أن العمل بمعنى الكسب والفعل، ولا يبعد أن يكون المعنى إنه كسب غير صالح من غير احتياج إلى تقدير مضاف وقد ورد في الحديث تسمية الولد كسباً في قوله : إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه وفي قوله : أنت ومالك لأبيك.
قيل لحكيم وهو يواقع زوجته : ما تعمل؟ قال : إن تم فإنساناً فلا تسألن سمي نداؤه سؤالاً لما فيه من السؤال والطلب، أي : إذا وقفت على جلية الحال فلا تطلب مني.
ما ليس لك به علم أي : مطلباً لا تعلم يقيناً أن حصوله صواب وموافق للحكمة إني أعظك (ندميدهم ترا) أن تكون أي : كراهة أن تكون من الجاهلين عبّر عن ترك الأولى بالجهل ؛ لأن استثناء من سبق عليه القول قد دله على الحال وأغناه عن السؤال أشغله حب الولد عنه حتى اشتبه الأمر عليه، فعوتب على أن اشتبه عليه ما يجب أن لا يشتبه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٨
﴿قَالَ﴾ عند ذلك قبلت يا ربي هذا التكليف فلا أعود إليه إلا إني لا أقدر على الاحتراز منه إلا بإعانتك وهدايتك فلهذا بدأ أولاً بقوله رب إني أعوذ بك أن أسألك أي : من أن أطلب منك من بعد ما ليس لي به علم أي : مطلوباً لا أعلم أن حصوله مقتضى الحكمة، يعني : احفظني بعد اليوم من المعاودة إلى مثل السؤال، وكان على قدم الاستغفار إلى أن توفي، وهذه عادة الصالحين أنهم إذا وعظوا اتعظوا وإذا نبهوا للخطأ استغفروا وتعوذوا، وحكى تعالى ما كان من الأنبياء عليهم السلام ليقتدى بهم في الاستغفار وأن لا يقطع الرجاء من رحمة الله تعالى، وقد قبل الله تعالى توبة نوح عليه السلام كما يدل عليه قوله تعالى : قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات، ثم حقيقة التوبة تقتضي أمرين، أحدهما : العزم على ترك الفعل في المستقبل وإليه لإشارة بقوله : إني أعوذ بك الخ، والآخر : الندم والاستغفار لما مضى وإليه الإشارة بقوله : وإلا مركب من أن ولا، ثم أدغم أحدهما
١٣٩