كما قال بعضهم في عيش الإنسان الكامل :(باخدا بصدق.
وباخلق بانصاف.
وبانفس بقهر.
وبازير دستان بشفقت.
وبابزركان بحرمت.
وبادوستان بنصيحت.
وبادشمنان بمدارا.
وباعلما بتواضع.
وبادرويشان بسخا.
وباجاهلان بخاموشى).
﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ وتفاصيل أحوالهم الظاهرة والباطنة التي بها يستأهلون الاصطفاء والاجتباء فيختار منهم لنبوته وولايته من يستحقه وهو رد لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبياً وأن يكون العراة الجوع أصحابه كصهيب وبلال وخباب وغيرهم دون أن يكون ذلك في بعض الأكابر والصناديد وذكر من في السموات لإبطال قولهم :﴿لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الملائكة﴾ (الفرقان : ٢١) وذكر من في الأرض لرد قولهم :
١٧٢
﴿لَوْلا نُزِّلَ هَـاذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (الزخرف : ٣١) أي : من إحدى القريتين مكة والطائف كالوليد بن المغيرة المخزومي وعروة بن مسعود الثقفي وقيل غيرهما.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٢
وفي "التأويلات" : هو أعلم بمن جعل منهم مظهر صفة لطفه ومن جعل منهم مظهر صفة قهره في السموات كالملائكة وإبليس والأرض كالمؤمنين والكافرين ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّـانَ عَلَى بَعْضٍ﴾ قال البيضاوي وتبعه أبو السعود أي : بالفضائل النفسانية والتبري من العلائق الجسمانية لا بكثرة الأموال والاتباع حتى داود فإنه شرفه بما أوحي إليه من الكتاب لا بما أوتي من الملك انتهى.
يقول الفقير : هذا صريح في أنهم متفاضلون في معنى التبري من العلائق الجسمانية وهو خطأ فإن تفاضلهم في ذلك إنما هو على من عداهم من أفراد الأمة لا على إخوانهم الأنبياء وتحقيقه أنه ليس فيهم العلائق الروحانية لمنافاتها الوصول إلى الله تعالى والأخذ من عالم القدس ولذا قالوا : باب العلم بالله لا ينفتح وفي القلب لمحة للعالم بأسره الملك والملكوت وأما العلائق الجسمانية كالملك وكثرة الأزواج والأولاد ونحو ذلك فهي وعدمها سواء بالنسبة إليهم فعيسى ويحيى عليهم السلام مع ما هما عليه من الزهد والتجرد لا فضيلة لهما في ذلك على داود وسليمان عليهما السلام مع ما هما عليه من الملك وكثرة الأزواج وإسناد العلاقة إليهم ولو صورة ليس من الأدب فالوجه أن التفضيل إنما هو بالكتاب والرسالة والخلة والتكليم والمعراج والرؤية والشفاعة ونحو ذلك كما قال تعالى :﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍا مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ﴾ (البقرة : ٢٥٣) الآية والقرآن يفسر بعضه بعضاً.
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر فضل سليمان عليه السلام بالظهور بمجموع الملك وعيسى بالكلام في المهد والتأييد بروح القدس وإحياء الموتى وخلق الطين طيراً بالإذن ونحو ذلك وموسى بالتكليم واليد والعصا وفرق البحر وانفجار الحجر ونحوها وفضل صالح بخروج ناقة من الحجر ونحوها وهود بالريح العقيم وإبراهيم بالنجاة من النار ونحو ذلك ويوسف بالجمال وتأويل الرؤيا ولما تفاضل استعدادهم لتمام التجلي من حيث النبوة تفاضلوا أيضاً فإنه ليس في الوجود إلا متغذ مرزوق وقد فضل الله بعض المرزوقين على بعض والرزق حسي للجسوم وعقلي للأرواح كالعلوم فأما من حيث ولايتهم الذاتية واستنادهم إلى الله تعالى فهم نفس واحدة فلا فاضل ولا مفضول ولذا قال عليه السلام :"لا تفضلوني بين الأنبياء" ﴿وَءَاتَيْنَا دَاوُادَ زَبُورًا﴾ تفضيلاً له كان زبور داود مائة وخمسين سورة ليس فيها حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود بل تمجيد وتحميد ودعاء نكر زبورا هنا وعرفه في الأنبياء حيث قال :﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ﴾ (الأنبياء : ١٠٥) لأنهما واحد كعباس والعباس.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٢
وفي "التأويلات النجمية" : قوله :﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا﴾ الآية يشير إلى أن الحكمة الأزلية اقتضت ارتفاع درجات المقبولين واتضاع دركات المردودين فإنهما مظاهر صفة اللطف والقهر ولكل واحد من اللطف والقهر نصيب منه حكمة بالغة في إظهار كمالات اللطف والقهر من الأزل إلى الأبد وفضلنا الأنبياء بعضهم على بعض بارتفاع المكان في القربة وقبول أثر نظر العناية على حسب سرايته في الأمة وخيريتها ألا ترى أنه عليه السلام لما كان أفضل الأنبياء كانت أمته خير الأمم وكتابه أفضل الكتب ففي قوله :﴿وَءَاتَيْنَا دَاوُادَ زَبُورًا﴾ إشارة إلى أن فضل النبي صلى الله عليه وسلّم
١٧٣
على داود بقدر فضل القرآن على الزبور انتهى.
وقد نعت الله نبينا عليه السلام وأمته المرحومة في جميع الكتب المتقدمة.
أي وصف تو در كتاب موسى
وى نعت تو در زبور داود
مقصود تويى ز آفرينش
باقي بطفيل تست موجود