﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى﴾ القبر ﴿مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ أي : إدخالاً مرضياً على طهارة وطيب من السيآت ﴿وَأَخْرِجْنِى﴾ منه عند البعث ﴿مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ أي : إخراجاً مرضياً ملقى بالكرامة آمناً من السخط يدل على هذا المعنى ذكره أثر البعث.
فالمدخل والمخرج مصدران بمعنى الإدخال والإخراج والإضافة إلى الصدق لأجل المبالغة نحو حاتم الجود أي : إدخالاً يستأهل أن يسمي ادخالاً ولا يرى فيه ما يكره لأنه في مقابلة مدخل سوى ومخرج سوى وقيل المراد إدخال المدينة والإخراج من مكة فيكون نزولها حين أمر بالهجرة ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ وقيل : إدخاله في كل ما يلابسه من مكان أوامر وإخراجه منه ورجح الأكثرون هذا الوجه فالمعنى حيثما أدخلتني وأخرجتني فليكن بالصدق مني ولا تجعلني ذا وجهين فإن ذا الوجهين لا يجوز أن يكون أميناً ﴿وَاجْعَل لِّى مِن لَّدُنكَ﴾ من خزائن نصرك ورحمتك ﴿سُلْطَـانًا﴾ برهاناً وقهراً ﴿نَصِيرًا﴾ ينصرني من أعداء الدين أو ملكاً وعزا ناصراً للإسلام مظهراً له على الكفر فأجيبت دعوته بقوله : والله يعصمك من الناس فإن حزب الله هم الغالبون ليظهره على الدين كله ليستخلفنهم في الأرض ووعده لينزعن ملك فارس والروم فيجعل له وعنه عليهالسلام أنه استعمل عتاب بن أسيد على أهل مكة وقال :"انطلق فقد استعملتك على أهل الله" وكان شديداً على المريب ليناً على المؤمن وقال : لا والله لا أعلم متخلفاً يتخلف من الصلاة في جماعة إلا ضربت عنقه فإنه لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق فقال أهل مكة : يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله عتاب بن أسيد أعرابياً جافياً فقال عليه السلام :"إني رأيت فيما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة فأخذ بحلقة الباب فقلقها قلقاً شديداً حتى فتح له فدخلها" فأعز الله الإسلام لنصرته المسلمين على
١٩٣
من يريد ظلمهم فذلك السلطان النصير.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٣
﴿وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ﴾ الإسلام والقرآن ﴿وَزَهَقَ الْبَـاطِلُ﴾ من زهق روحه إذا خرج أي : ذهب وهلك الشرك والشيطان :
ديو بكريزد ازان قوم كه قرآن خوانند†
إمام قشيري قدس سره (فرموده حق آنست كه براى خداى بود وباطل آنكه بغير او باشد صاحب تأويلات بر آنست كه حق وجود ثابت واجتست عز شانه كه ازلي وابديست وباطل وجود بشرىء امكاني كه قابل زوال وفناست وون اشعه لمعات وجود حقاني ظاهر كردد وجود موهوم ممكن درجنب آن متلاشى ومضمحل شود).
همه هره هستند ازان كمترند
كه باهستيش نام هستى برند
و سلطان عزت علم بركشد
جهان سربجيب عدم دركشد
﴿إِنَّ الْبَـاطِلَ﴾ كائناً ما كان ﴿كَانَ زَهُوقًا﴾ أي : شانه أن يكون مضمحلاً غير ثابت.
عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه عليه السلام دخل مكة يوم الفتح وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً فجعل ينكت بمخصرة كانت بيده في عين واحد واحد ويقول :"جاء الحق وزهق الباطل" فينكب لوجهه حتى ألقي جميعها وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من صفر فقال :"يا علي ارم به" فصعد فرمي به فكسره.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٣
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ﴾ لما في الصدور من أدواء الريب وإسقام الأوهام ﴿وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ به فإنهم ينتفعون به ومن بيانية قدمت على المبين اعتناء فإن كل القرآن في تقويم دين المؤمنين واستصلاح نفوسهم كالدواء الشافي للمرضى ﴿وَلا يَزِيدُ الظَّـالِمِينَ إِلا خَسَارًا﴾ أي : لا يزيد القرآن الكافرين المكذبين به الواضعين للأشياء في غير مواضعها مع كونه في نفسه شفاء من الأسقام إلا هلاكاً بكفرهم وتكذيبهم.
وفيه إيماء إلى أن ما بالمؤمنين من الشبه والشكوك المعترية لهم في أثناء الاهتداء والاسترشاد بمنزلة الأمراض وما بالكفرة من الجهل والعناد بمنزلة الموت والهلاك.
وفيه تعجيب من أمره حيث يكون مداراً للشفاء والهلاك كبعض المطر يكون درا وسما باستعداد المحل وعدم استعداده، قال الحافظ :
كوهر اك ببايدكه شود قابل فيض
ورنه هرسنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٤


الصفحة التالية
Icon