﴿وَلَمْ يَكُن لَّه وَلِىٌّ مِّنَ الذُّلِّ﴾ لم يوال أحداً من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته فإنه محال أنه يذل فيحتاج إلى أحد يتعزز به ويدفع عنه المذلة إذ له العزة كلها فليس له مذلة دلالة ولا له احتياج إلى ولي يدفع الذل عنه وهو رد للمجوس والصابئين في قولهم لولا أولياء الله لذل الله تعالى عن ذلك.
وفي "الأسئلة المقحمة" : كيف جعل عدم الولد علة استحقاق الحمد؟ الجواب أن هذا ليس بتعليل لوجوب الحمد إنما هو بيان من يقع له الحمد كما تقول الحمدالأول الآخر الحمدرب العالمين انتهى.
وفي "الكشاف" كيف رتب الحمد على نفي الولد والشريك والذل؟ أي : مع أنه لم يكن من الجميل الاختياري قلت : إن من هذا وصفه هو الذي يقدر على إيلاء كل نعمة فهو الذي يستحق جنس الحمد ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرَا﴾ عظمه تعظيماً أو قل الله أكبر من الاتخاذ والشريك والولي.
وقال الكاشفي (يعني حق را بزركتر دان از وصف واصافان ومعرفت عارفان) :
فكرها عاجزست زاوصافش
عقلها هرزه ميزند لافش
عقل عقلست جان جانست او
آن كزو برترست آنست او
وكان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية وكان يسميها آية العزة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٢
قال في "التأويلات النجمية" :﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَانَ﴾ يشير إلى أن الله اسم الذات والرحمن اسم الصفة ﴿أَيًّا مَّا تَدْعُوا﴾ أي : بأي اسم من اسم الذات والصفات تدعونه ﴿فَلَهُ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى﴾ أي : كل اسم من أسمائه حسن فادعوه حسناً وهو أن تدعوه بالإخلاص ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ أي : بدعائك وعبادتك رياء وسمعة ﴿وَلا تُخَافِتْ بِهَا﴾ أي : ولا تخفها بالكلية عن نظر لئلا يحرموا
٢١٣
المتابعة والأسوة الحسنة ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَالِكَ سَبِيلا﴾ وهو إظهار الفرائض بالجماعات في المساجد وإخفاء النوافل وحداناً في البيوت ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ فيكون كمال عنايته وعواطف إحسانه مخصوصاً بولده ويحرم عباده معه ﴿وَلَمْ يَكُن لَّه شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ﴾ فيكون مانعاً له من إصابة الخير إلى عباده وأوليائه ﴿وَلَمْ يَكُن لَّه وَلِىٌّ مِّنَ الذُّلِّ﴾ فيكون محتاجاً إليه فينعم عليه دون ما استغنى عنه بل أولياؤه الذين آمنوا وجاهدوا في الله حق جهاده وكبروا الله وعظموه بالمحبة والطلب والعبودية وهو معنى قوله :﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرَا﴾ انتهى (علم الهدى فرموده كه حق سبحانه دوست نكيرد تابمدد ايشان ازدل بعز وسد بلكه دوست كيرد تا بلطف وى از حضيض مذلت تابا وج عزت ترقى كند) كما قال الله تعالى :﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ (البقرة : ٢٥٧) وهذه الولاية عامة مشتركة بين جميع المؤمنين وترقيهم من الجهل إلى العلم وقال تعالى :﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (يونس : ٦٢) وهذه الولاية خاصة بالواصلين إلى الله من أهل السلوك وترقيهم من العلم إلى العين ومن العين إلى الحق.
قال في "شرح الحكم العطائية" : إن عباد الله المخلصين قسمان : قوم أقامهم الحق لخدمته وهم العباد والزهاد وأهل الأعمال والأوراد وقوم خصهم بمحبته وهم أهل المحبة والوداد والصفاء واتباع المراد وكل في خدمته وتحت طاعته وحرمته إذ كلهم قاصد وجهه ومتوجه إليه قال الله تعالى :﴿كُلا نُّمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ﴾ (الإسراء : ٢٠) وهذا عام في كل طريق وظاهر في كل فريق ﴿وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ فيحجر أو يحصر في نوع واحد أو صفة واحدة.
وقد قال يحيى بن معاذ رضي الله عنه : الزاهد صيد الحق من الدنيا والعارف صيد الحق من الجنة.
وقال أبو يزيد البسطامي قدس سره : اطلع الله سبحانه إلى قلوب أوليائه فمنهم من لم يكن يصلح لحمل المعرفة فشغلهم بالعبادة، قال الحافظ :
درين من نكنم سرزنش بخودرويى
نانكه رورشم ميدهند ميرويم
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٢


الصفحة التالية
Icon