﴿وَإِنَّا لَجَـاعِلُونَ﴾ فيما سيأتي عند تناهي عمر الدنيا ﴿مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا﴾ تراباً ﴿جُرُزًا﴾ لا نبات فيه وسنة جرز لا مطر فيها.
قال الكاشفي :(صعيداً جرزاً هامون وبى كياه يعني بآخر اين عمارتها را خراب خواهيم ساخت س دل برآن منهيد وبزينت نا يدار فريفته مشويد) :
جهان ازرنك وبوسازد اسيرت
ولي نزديك ارباب بصيرت
نه رنك دلكشش را اعتباريست
نه بوى دلفريبش را مداريست
قال بعض الكبار صعيداً جرزاً لا حاصل له إلا الندامة والغرامة فالناسك السالك والطالب الصادق والمحب المحق من يحرم على نفسه الدنيا وزينتها حرامها وحلالها وهي ما زين للناس كما قال :﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾ إلى قوله :﴿ذَالِكَ مَتَـاعُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ (آل عمران : ١٤) لأن مع حب الله لا يسوغ حب الدنيا وشهواتها بل حب الآخرة ودرجاتها.
ـ حكي ـ أنه كان لهارون الرشيد ولد في سن ست عشرة سنة فزهد في الدنيا واختار العباء على القباء فمر يوماً على الرشيد وحوله وزراؤه فقالوا : لقد فضح هذا الولد أمير المؤمنين بين الملوك بهذه الهيئة فدعاه هارون الرشيد وقال : يا بني لقد فضحتني بحالك فلم يجبه الولد ثم التفت فرأى طيراً على حائط فقال : أيها الطائر بحق خالقك إلا جئت على يدي فقعد الطائر على يده ثم قال : ارجع إلى مكانك فرجع ثم دعاه إلى يد أمير المؤمنين فلم يأت فقال لأبيه : بل أنت فضحتني بين الأولياء بحبك للدنيا وقد عزمت على مفارقتك ثم إنه خرج من بلده ولم يأخذ إلا خاتماً ومصحفاً ودخل البصرة وكان يعمل يوم السبت في الطين ولا يأخذ إلا درهماً ودانقاً للقوت قال أبو عامر البصري : استأجرته يوماً فعمل عمل عشرة وكان يأخذ كفاً من الطين ويضعه على الحائط ويركب الحجارة بعضها على بعض فقلت : هذا فعال الأولياء فإنهم معانون ثم طلبته يوماً فوجدته مريضاً في خربة فقال :
٢١٧
يا صاحبي لا تغترر بتنعم
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٥
فالعمر ينفد والنعيم يزول
وإذا حملت إلى القبور جنازة
فاعلم بأنك بعدها محمول
ثم وصاني بالغسل والتكفين في جبته فقلت : يا حبيبي ولم لا أكفنك في الجديد فقال : الحي أحوج إلى الجديد من الميت يا أبا عامر الثياب تبلى والأعمال تبقى ثم ادفع هذا المصحف والخاتم إلى الرشيد وقل له : يقول لك ولدك الغريب لا تدومن على غفلتك قال أبو عامر فقضيت شأنه ودفعت المصحف والخاتم إلى الرشيد وحكيت ما جرى فبكى وقال : فيم استعملت قرة عيني وقطعة كبدي قلت : في الطين والحجارة قال : استعملته في ذلك وله اتصال برسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت : ما عرفته قال : ثم أنت غسلته قلت : نعم فقبل يدي وجعلها على صدره ثم زار قبره ثم رأيته في المنام على سرير عظيم في قبة عظيمة فسألته عن حاله فقال : صرت إلى رب راض أعطاني ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وآلى على ذاته ونفسه الشريفة أي : قال : بالله الذي خلقني لا يخرج عبد من الدنيا كخروجي إلا أكرمه مثل كرامتي.
نكه دار فرصت كه عالم دميست
دمى يش دانا به از عالميست
برفتندو هركس درود آنه كشت
نماند بجز نام نيكو وزشت
دل اندر دلارام دنيا مبند
كه ننشست باكسر كه دل برنكند
اللهم اجعلنا من المنقطعين إليك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٥
﴿أَمْ حَسِبْتَ﴾ الخطاب للرسول الله صلى الله عليه وسلّم والمراد إنكار حسبان أمته وأم منقطعة مقدرة ببل التي هي للانتقال من حديث إلى حديث لا للإبطال وبهمزة الاستفهام عند الجمهور وببل وحدها عند غيرهم أي : بل أحسبت وظننت بمعنى ما كان ينبغي أن يحتسب ولم حسبت.
قال الكاشفي :(آلأرده انكه ون يهود قريش راسه سؤال در آمود ختندكه ازحضرت رسالت صلى الله عليه وسلّم رسيدند بايكديكر ميكفتندكه قصه جوانان بس عجبست عجب ازوى كه جواب آن داند حق سبحانه وتعالى آيت فرستادكه ﴿أَمْ حَسِبْتَ﴾ نه نانست كه ميكويند آيامى ندارى تو) ﴿أَنَّ أَصْحَـابَ الْكَهْفِ﴾ الكهف الغار الواسع في الجبل فإن لم يكن واسعاً فغار ﴿وَالرَّقِيمِ﴾ هو كلبهم بلغة الروم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٨