تعالى حال من الضمير المستكن في يدعون أي : مريدين لرضاه لا شيء آخر من أعراض الدنيا فالوجه مجاز عن الرضى والمناسبة بينهما أن الرضى معلوم في الوجه وكذا السخط كما في "الحواشي الحسينية" على "التلويح".
﴿وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ أي : لا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم.
قال الكاشفي :(بايدكه نكذرد شمهاى توازايشان) من عدا الأمر وعنه جاوزه كما في "القاموس" فعيناك فاعل لا تعد وهذا نهى للعينين والمراد صاحبهما يعني نهيه عليه السلام عن الإزدراء بفقراء المسلمين لرثاثة زيهم طموحاً إلى زي الأغنياء.
وقال ذو النون رحمه الله خاطب الله نبيه عليه السلام وعاتبه وقال له : اصبر على من صبر علينا بنفسه وقلبه وروحه وهم الذين لا يفارقون محل الاختصاص من الحضرة بكرة وعشيا فمن لم يفارق حضرتنا فحق أن تصبر عليه فلا تفارقه وحق لمن لا تعدو عينهم عني طرفة عين أن لا ترفع نظرك عنهم وهذا جزاؤهم في العاجل ﴿تُرِيدُ﴾ يا محمد ﴿زِينَةُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ أي : تطلب مجالسة الأغنياء والأشراف وأهل الدنيا وهي حال من الكاف وفي إضافة الزينة إلى الحياة الدنيا تحقير لشأنها وتنفير عنها.
قال الكاشفي :(ببايد دانست كه آن حضرت را هر كزبدنيا وزينت آن ميل تبوده بلكه معنىء آيت اينست كه مكن عمل كسى مائل بزينت دنيا ه مائل بدنيا از فقر معرض وبراغنيا مقبل باشد).
وفي "زبدة التفاسير" : تريد حال صرف للاستقبال لا أنه حكم على النبي عليه السلام بإرادته زينة الدنيا وهو قد حذر عن الدنيا وزينتها ونهى عن صحبة الأغنياء كما قال :"لا تجالسوا الموتى" يعني الأغنياء ﴿وَلا تُطِعْ﴾ في تنحية الفقراء عن مجلسك ﴿مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَه عَن ذِكْرِنَا﴾ الغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور أي : جعلت قلبه في فطرته الأولى غافلاً عن الذكر ومحتوماً عن التوحيد كرؤساء قريش ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاـاهُ﴾ الهوى بالفارسية (آرزوى نفس) مصدر هويه إذا أحبه واشتهاه ثم سمي به المهوى المشتهى محموداً كان أو مذموماً ثم غلب على غير المحمود وقيل : فلان اتبع هواه إذا أريد ذمه ومنه فلان من أهل الهوى إذا زاغ عن السنة متعمداً وحاصله ميلان النفس إلى ما تشتهيه وتستلذه من غير داعية الشرع قالوا يجوز نسبة فعل العبد إلى نفسه من جهة كونه مقروناً بقدرته ومنه واتبع هواه وإلى الله من حيث كونه موجداً له ومنه أغفلنا ﴿وَكَانَ أَمْرُه فُرُطًا﴾ قال في "القاموس" : الفرط بضمتين الظلم والاعتداء والأمر المجاوز فيه عن الحد انتهى أي : متقدماً للحق والصواب نابذاً له وراء ظهره من قولهم فرس فرط أي : متقدم للخيل.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٨
وفي "التأويلات" :﴿وَكَانَ أَمْرُهُ﴾ في متابعة الهوى هلاكاً وخسراناً وفي الآية تنبيه على أن الباعث لهم إلى هذا الاستعداد إغفال قلوبهم عن ذكر الله وإشغالها بالباطل الفاني عن الحق الباقي وعلى أن العبرة والشرف بحلية النفس وصفاء القلب وطهارة
٢٣٩
السرائر لا بزينة الجسد وحسن الصورة والظواهر، قال الحافظ :
قلندران حقيقت به نيم جو نخرند
قباى اطلس آنكس كه ازهنر عاريست
وقال الجامي قدس سره :
ه غم منقصت صورت أهل معنى را
و جان زروم بود كوتن از حبش مى باش
وفي الحديث :"إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم بل إلى قلوبكم وأعمالكم" يعني : إذا كانت لكم قلوب وأعمال صالحة تكونون مقبولين مطلقاً سواء كانت لكم صور حسنة وأموال فاخرة أم لا وإلا فلا مطلقاً وكذا الحكم في الظاهر والباطن فافهم.
ـ روى ـ أن الله تعالى لما اتخذ إبراهيم خليلاً قالت الملائكة : يا رب أنه كيف يصلح للخلة وله شواغل من النفس والولد والمال والمرأة فقال تعالى : أنا لا أنظر إلى صورة عبدي وماله بل إلى قلبه وأعماله وليس لخليلي محبة لغيري فإن شئتم جربوه فجاءه جبريل وكان لإبراهيم عليه السلام اثنا عشر كلباً للصيد ولحفظ الغنم وطوق كل كلب من الذهب إيذاناً بخساسة الدنيا وحقارتها فسلم عليه جبريل فقال : لمن هذه؟ فقال : ولكن في يدي فقال تبيع واحداً منها؟ قال : اذكر الله وخذ ثلثها فقال سبوح قدوس رب الملائكة والروح فأعطى الثلث ثم قال اذكره ثانياً وخذ ثلاثها واذكر ثالثاً وخذ كلها برعاتها وكلابها ثم اذكره رابعاً وأنا أُقِرُّ لك بالرق فقال الله تعالى : كيف رأيت خليلي يا جبريل؟ قال : نعم العبد خليلك يا رب فقال إبراهيم لرعاة الغنم سوقوا الأغنام خلف صاحبي هذا فقال جبريل : لا حاجة لي إلى ذلك وأظهر نفسه فقال : أنا خليل الله لا أسترد هبتي فأوحى الله إلى إبراهيم أن يبيعها ويشتري بثمنها الضياع والعقار ويجعلها وقفاً فأوقاف الخليل وما يؤكل على مرقده الشريف من ثمنها.
واعلم أن قدر الأذكار لا يعرفه إلا الكبار ألا يرى أن الخليل كيف فدى نفسه بعد إعطاء الكل بشرف ذكر الله وتعظيمه فليسارع العشاق إلى ذكر القادر الخلاق فإن صيقل القلوب ذكر علام الغيوب، قال الشيخ المغربي قدس سره :
اكره آينه دارى از براى رخش


الصفحة التالية
Icon